كانت آخر الرياضات الذهنية التي اقنرحها علينا الكاتب حازم صاغية مباراة سياسية صاغها على شكل اسئلة واجوبة وعنونها "المقاومة اللبنانية في بضعة اسئلة واجوبة" "الحياة" 26/2/2000 محاولاً ان ان يستر نياته المعادية للمقاومة اللبنانية، ولكل مقاومة اخرى في تقديري، للوصول الى هدف هو باختصار، وبدون اجهاد عقلي، ابلاغنا ان "اسرائيل واقع" وان المقاومة لها - وبخاصة الحال اللبنانية منها - عبث وشرّ وخطر على السلم الاهلي... اذا سمح لنا السيد صاغية، بالتعقيب عليه مستخدمين الاسئلة ذاتها ولكن من منطلق آخر، سماه هو في ثنايا مباراته الذهنية ب"العقل التلميذي"، إذ ان كل من ينظر الى امته باحترام والى مقاومتها لهذه الغزوة الصهيونية بتقدير، لا بد ان يكون في نظره ذي "عقل تلميذي مشوش"، واحياناً ذي "عقل فاشي عنصري"، ودائماً ذي "عقل متخلف"! لا بأس، نحن نقبل بأن نكون كذلك طالما نحن في "مربع المقاومة"، ونقبل ان نترك له المربع الآخر الذي يرتهن فيه التقدم باسرائيل، والديموقراطية بالتطبيع، والسلام بالوقوعية وليس بالواقع كما ابدع من قبل كلوفيس مقصود!. فليُسمح لنا ببعض الرياضة الذهنية مقتبسين الاسئلة ذاتها، ولكن بأجوبة اخرى. هل تشك في ان سلوك اسرائيل حيال لبنان عدواني؟! - لا… بل هو عنصري وليس وحشياً او حقودياً فحسب، بل انه نازي في طبعة جديدة رغم ان البعض من كتابنا ينفي عنه صفة النازية هذه ويتصور ان في داخل هذا الكيان حمائم صغيرة جميلة! وهل تشك في انها تحتل ارضاً لبنانية ينبغي اخراجها منه؟ - اطلاقاً لا… ونحن غير عاجزين على اخراجها منه وبالقوة نموذج جزين من قبل والتقهقر الحالي الى مواقع جديدة ولولا جهد المقاومة لفلت في شارع الحمراء وفي فندق الكسندر في المنطقة الشرقية حتى يومنا هذا ولظل بعض الفئات المتعاونة حراساً لها بكل معنى الكلمة، ولو كان التفاوض مجرداً من المقاومة يجدي لكان قد انجز شيئاً قبل 18 عاماً ولكن لم يحدث والشواهد قائمة! لكن هل المقاومة تؤذي اسرائيل فعلاً؟ - بالطبع… وتصور البعض ان الثمن الذي يدفعه لبنان مقابل اظلام كريات شمونة ثمن باهظ، تصور يقوم على خلل في التحليل مقصود وسيئ النية اذ انه يتجاهل المجرم ويمسك بالضحية عندما تقاوم، وهو خلل ظاهره الرحمة وباطنه العذاب - كما يقول المثل - ولولا معادلة "كريات شمونة/ الكاتيوشا" لاظلم لبنان منذ سنوات، فاسرائيل كيان عدواني بطبعه ومن يرى غير ذلك فهو بحاجة الى علاج نفسي اولاً قبل الرد عليه، اما حجة تقدمها التقني والعلمي، فهي حجة متهافتة، واسرائيل او من يدرك استحالة اعتبارها رقماً في حرب عصابات واستنزاف طويلة النفس، تنطلق من ايمان حقيقي لدى قادتها وتقوم على ان المقاومة والجهاد لتحرير الوطن المحتل 100 كلم مربع، يفجر الطاقات والابداع انطلاقاً من الواقع المادي ومن الواقع الايماني والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا في حين ان الاستسلام للأمر الواقع يورث التخلف ويفجر الخلافات، خصوصاً اذا كان واقعاً مذلاً ظالماً وهل هناك اذلال وظلم اشد من الاحتلال؟! هل اسرائيل ستنسحب بفعل المقاومة؟! - صحيح وأي اتفاق يتم من خلال التفاوض سيحيل الحكومة اللبنانية الى مجرد حارس لأمن المستوطنات غير الشرعية في شرعنا - نحن المتخلفين العرب! - وهذه مكافأة سخية للمغتصب لحقوق الغير، وليس من اخلاق دعاة الديموقراطية، على ما اظن حماية مغتصب حقوق الغير الا اذا كانت الديموقراطية اليوم تصنع على مقاسات خاصة تتواءم والجسد الاسرائيلي! هل اسرائيل تضرب حتى لو لم تستعمل الكاتيوشا؟! - نعم هي تضرب… ومن يحاول ان ينفي عنها صفة العدوانية، كمن يضع رأسه في الرمال وما حدث أخيراً من ضرب محطات الكهرباء والمدارس والابنية يتكلف اعادة اصلاحها 100 مليون دولار خير دليل، لمن يمتلك حساً انسانياً صافياً، اما اولئك المشغولون بأمن اسرائيل وراحة مستوطنيها، وبحتمية تسريح المقاومة، فكما قلت هم مسكنون بالوهم ويؤدون دوراً - ربما بحسن نية - لصالح المعتدي! يقولون ان المقاومة لا فائدة منها فهل هذا صحيح؟! - من يقول بذلك اذا حسنت فيه النية يحتاج الى علاج نفسي اكثر من حاجته الى نقاش علمي هادئ، لأنه غير قائم على اسس منطقية في التحليل اوشواهد من الواقع، والقول باستفادة سورية - فحسب - من المقاومة مردود عليه، ان العكس في هذا الجانب تحديداً هو الصحيح. فالمقاومة هي المستفيدة بالتنسيق السياسي والغطاء المعنوي السوري - الايراني، وما الضرر ان حدثت استفادة متبادلة بين الطرفين اللبناني - السوري ولماذا نستهجنها ونفترض دائماً سوء النية ودفع الاكلاف ونظرية التآمر… الخ، وعندما تفعل اميركا ويهودها ذلك مع اسرائيل تراه نفس العين، طبيعياً؟ او القياس على فيتنام وغيرها في حالنا هذه قياس غير صحيح ومضلل! يقولون انه ليس هناك اجماع على المقاومة لا لبنانياً ولا عربياً؟ - بالطبع ليس هناك اجماع، اذ ما فائدة المتعاونين مع اسرائيل اذاً، وما فائدة العجزة، ومن انتهى عصره ودوره، ان الانبياء انفسهم لم يوجد حولهم اجماع ووجد دائماً من يكفر بهم وبرسالتهم فلماذا نتصور ان ثمة اجماعاً كاسحاً على المقاومة؟ ولكن بالمقابل ان اصغر تلميذ في مدرسة نائية في اي قرية او مدينة لبنانية، او عربية، لا يمكنه الا ان يقف باعجاب كبير مثلاً امام عملية غيرشتاين التي نفذتها المقاومة، او بتقدير كبير لذلك الشيخ السيد حسن نصرالله الذي لم يوفر ابنه هادي للمستقبل، بل دفع به الى خطوط المواجهة الاولى مع العدو يرتفع شهيداً، في الوقت الذي يرفل فيه ابناء بعض القادة والكتاب ممن لا يأكلون العصي ولا يعدونها ايضاً وبعضهم لبناني للأسف! في النعيم داخل لبنان وخارجه. ان المقاومة تحظى بالاحترام، وبالتقدير، واذا اردنا ان نحسبها فبامكاننا القول ان نسبة التأييد للمقاومة ولرسالتها تتعدى ال 80 في المئة، ومن لا يرى ولا يعترف به فتلك مشكلته، وكونه لا يرى فيها الا عيون السوريين فتلك مأساته وحده، ولا داعي لأن يلبسها ثوباً عاطفياً من قبيل الخوف على طائفة الشيعة فهذه ثوب زائف بعد ال 1200 شهيد لهذه المقاومة منهم الامين العام للحزب السيد عباس الموسوي. هل اللجوء للحل التفاوضي ينهي الصراع وهل لا بد من استعادة القرى اللبنانية السبع المحتلة؟ - اللجوء للحل التفاوضي مع كيان يقول وزير خارجيته المغربي الاصل الذي تسلم قبل ايام مفتاح بيته في المغرب في حركة مروءة عربية في غير مكانها!: ان العين بالعين والدم بالدم والطفل بالطفل... وارض لبنان ستحترق، وهو وزير مسؤول عن ملف التفاوض - بصفته وزيراً للخارجية - اللجوء الى حل تفاوضي معه لن يجدي، ولا بديل من المقاومة، ومن يفرط في متر واحد من الارض المحتلة وليس في سبع قرى تحت دعوى موازين القوى ووجود حالات عالمية مشابهة، بامكانه ان يفرط بالمنطق المعوج نفسه بعاصمة بلده! هل يمكن تفادي الحرب الاهلية عن طريق دعم المقاومة؟ - اصلاً لا توجد حروب اهلية في لبنان وفي تقديري انها لن توجد ثانية والسؤال في غير محله، واذا لا قدر الله فهي لن تحصل الا بفعل عوامل دفع خارجية، واذكاء خبيث لها من جانب كتاب وساسة لا يرون الا كل سيء في وطنهم، وفي تقديرنا ان دعم المقاومة، احد وسائل درء الفتن، وأحد وسائل الحوار الصحي على ارضية مختلفة، وهي ارضية العدو المشترك، ولكن تظل المشكلة الطائفية في لبنان بحاجة الى حلول متكاملة ومداخل سياسية وحضارية واقتصادية عدة، ومدخل المقاومة بلا شك احد المداخل الجيدة، وليس كلها. كيف تفسر الالتفاف العربي الشامل حول المقاومة؟ - لأنها ادارت مقاومتها بطريقة صحيحة، وتعلمت من اخطاء المقاومة الفلسطينية وتجاوزت افقها الطائفي، لأفق عربي وانساني ارحب، وتعاملت مع القضية التي تجاهد فيها باخلاص وتجرد، لم يبخل فيها القادة لا بانفسهم او بأبنائهم، ولأنها قدمت للعرب وللمسلمين النموذج السياسي والفكري المتجاوز للعصبية وللأفكار المغلقة، والمنفتح بوعي على الآخر، والجامع للأمة حول قضية لا خلاف فيها الا في عقل بعض الكارهين لها الذين لو توضأت المقاومة وحزبها "حزب الله" امامهم سبع مرات احداهن بالتراب لما رضوا عنها ولما غيروا بوصلة كراهيتهم لها. ان هذه المقاومة اختارت الهدف الصحيح في التوقيت الصحيح بالوسيلة الصحيحة، لذا حدث الالتفاف حولها، ولسوء حظ بعض الأعداء، فهو التفاف لن ينفك، لأنها مقاومة تمثل لأمتها "الضمير" في لحظة تاريخية فاصلة و"الضمير" عادة لا يموت، وان بدا للبعض كذلك! * كاتب مصري.