تناولت الحلقة السابقة اوضاع الفلسطينيين في لبنان حين قدومهم اليه، وهنا تكميل للبحث يعرض لأوضاعهم من منطلق القانون الدولي، ومن منطلق التعامل القانوني اللبناني معهم. في منظار القانون الدولي هناك عشرات القرارات الدولية التي تؤيد حق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والدول الاخرى في العودة الى وطنهم والحصول على التعويضات المناسبة. وهنا مقتطفات حرفية من هذه القرارات، والتي لم تتطرق لها وسائل الاعلام اللبنانية بشكل مباشر: القرار الدولي رقم 194، الفقرة 11 11 كانون الاول/ ديسمبر 1948: "الجمعية العامة تؤكد حق اللاجئين الذين يرغبون بالعودة الى منازلهم للعيش بسلام مع جيرانهم ويجب تمكينهم من فعل ذلك في اقرب موعد ممكن، وعلى انه يجب دفع تعويضات عن الممتلكات لأولئك الذين قد يختارون عدم العودة وكذلك عن الخسائر والدمار الذي لحق بالممتلكات بحيث يعود اصله حسب مبادئ القانون الدولي وحق المعاملة بالمساواة على يد الحكومات والسلطات التي تتحمل المسؤولية". شرعة حقوق الانسان الدولية، الفقرة 13: "يحق لكل انسان السفر من، والعودة الى بلاده". ميثاق جنيف الرابع لتنظيم شؤون الحرب: "يحرم التهجير القسري للافراد والجماعات في المناطق المحتلة بغض النظر عن الدوافع" جنيف 1949. القرار 242، الفقرة B 2، 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967: "ان مجلس الامن يذكّر بقراراته 252 21 ايار/ مايو 1968 و267 3 تموز/ يوليو 1969 وقراري الجمعية العامة 2253 و2254 في 4 و14 تموز 1967 حول ممارسات اسرائيل لتغيير الجزء المحتل من القدس ويذكر بلاشرعية الاستيلاء على اراضي الغير بالاحتلال العسكري، ويبدي قلقه من تلكؤ اسرائيل وعدم تطبيقها للقرارات الدولية، ويؤكد بأوضح العبارات الممكنة ان كل الممارسات الادارية والتشريعية التي اتخذتها اسرائيل لتغيير معالم القدس بما فيها مصادرة الاراضي والممتلكات وطرد السكان، وتشريعات تسعى الى ضم الاراضي المحتلة، كلها اجراءات غير قانونية وغير صالحة ولا يمكنها تغيير وضع القدس". القرار 3262، فقرة 2، 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1974: "حق الفلسطينيين غير القابل للصرف في العودة الى منازلهم وممتلكاتهم التي تم اقتلاعهم منها". القرار 3236 22 تشرين الثاني 1974: "ان الجمعية العامة تؤكد حق الفلسطينيين في العودة الى بيوتهم وممتلكاتهم التي طُردوا منها واقتُلعوا وتدعو الى عودتهم". العودة والتعويضات ان القرارات الدولية لم تحدد حق العودة فقط بل حق التعويض عن الممتلكات والدمار في الزراعة والمساكن والمتاجر والمصانع وكذلك التعويض عن حق استعمال الاملاك غير المنقولة لمدة خمسين عاماً والتعويض عن فقدان اللاجئين لمداخيلهم خلال فترة لجوئهم بعيداً عن ممتلكاتهم. كما ان الاعراف والقوانين الدولية المعمول بها لا تجيز للسلطات الاسرائيلية حق التصرف بالملكيات الشخصية ولا الغاء الملكية الفردية. في نهاية الاربعينات قُدّر عدد الذين فروا او طُردوا قسرياً الى البلدان المجاورة بحوالى مليون شخص. ولقد حاولت الولاياتالمتحدة عبر المفاوضات عام 1949 ان تعيد فوراً 250 ألف شخص الى الاراضي التي احتلتها اسرائيل، وامام رفض اسرائيل حاولت واشنطن وبشتى الوسائل اقناع الدول العربية باستيعاب اللاجئين. وحاول الرئيس الاميركي ترومن مجدداً ربط عضوية اسرائيل في الاممالمتحدة بشرط السماح ل300 الف لاجئ فلسطيني العودة الى ديارهم. ففاوض موشيه شاريت وزير خارجية اسرائيل على الرقم ووافق الاميركيون على تخفيض العائدين الى مئة الف. وماطلت اسرائيل في التنفيذ وحتى 1967 لم تسمح بعودة اكثر من 20 ألفاً وسط دعاية اعلامية واسعة. وابتداء من الخمسينات بدأ السعي الاميركي للضغط على الدول العربية لاستيعاب اللاجئين، كما تواصل واشنطن اسداء النصائح للمفاوض العربي بعدم اثارة موضوع اللاجئين تجنباً لاستفزاز الاسرائيليين، مقابل وعود اميركية بالمساعدة الاقتصادية. اما المبالغ المطروحة لتعويض اللاجئين الفلسطينيين في لبنان فهي تتراوح بين 14 و18 بليون دولار بمعدل 30 ألف الى 50 ألف دولار اميركي للشخص، فيما تتحدث اوساط السلطة الفسلطينية عن ارقام مبالغة لتعويض كل الفلسطينيين في الشتات بمبالغ قد تصل الى 500 بليون دولار، في حين لم تتعد تعويضات المانيا لضحايا النازية من اليهود المئة بليون دولار، دُفع منها 85 بليوناً حتى العام 1978 وعشرة بلايين بين 1978 و1998 وتم الاتفاق على دفع 5 بلايين دولار اضافية من المانيا الى اليهود خلال الشهر الماضي تُدفع على مراحل. ويبلغ عدد اللاجئين الذين سيكونون موضع بحث اللجنة المتعددة الأطرف والتي ترأسها كندا مليوناً و250 الفاً موزعين في لبنان وسورية والاردن، فيما يُعتبر الذين غادروا المنطقة بمثابة مهاجرين اكتسبوا حياة جديدة ولا ينتظرون العودة او الحلول السلمية. بالمقابل تقوم اسرائيل بتطبيق جزئي لقانون العودة الذي يمنح حق "العودة" لليهود دون غيرهم. وهذا القانون صوّت عليه الكنيست الاسرائيلي بالاجماع في 5 تموز يوليو 1950 وينص على "حق كل يهودي الهجرة الى اسرائيل بمجرد تعبيره عن رغبته بذلك وبحصوله على فيزا. ويمكن لليهودي ان يزور اسرائيل ويقرر البقاء فيها فيما بعد بدون فيزا". والمادة الرابعة من القانون تنص على "ان كل يهودي مولود في اسرائيل قبل هذا القانون يتمتع بنفس الحقوق للمهاجرين تحت هذا القانون". فلو سعى عرب اسرائيل الى تعديل هذا القانون العنصري وتطبيقه على كل السكان السابقين لفلسطين الانتدابية التي اصبحت دولة اسرائيل لأمكن الضغط على اسرائيل من الداخل للموافقة على عودة لاجئي لبنان. ولهذا القانون خطوات سبقته مثل تقرير اللجنة الاميركية - الانكليزية 1946 والتي اقترحت في فقرتها الثانية هجرة مئة الف يهودي من ضحايا النازية الى فلسطين خلال عام واحد، ولكن هذا العدد ارتفع الى 8000 ألف خلال خمس سنوات. في المنظار القانوني اللبناني رغم مشاركة اللاجئين الفلسطينيين والشعب اللبناني في الثقافة واللغة والمطبخ والعادات والتقاليد الا ان خصائص لبنان كدولة متعددة الديانات الشديدة الحساسية لجوارها الجغرافي جعلت ملف اللاجئين يختلف جذرياً عنه في الدول العربية الاخرى خاصة في سورية والاردن. ولقد انعكست هذه الخصائص في اسلوب التعامل الرسمي اللبناني مع اللاجئين منذ قدومهم الى لبنان، ان من ناحية وضعهم القانوني واحوالهم الشخصية، او دورهم في سوق العمل او توزيعهم الجغرافي في المناطق اللبنانية المتمايزة طائفياً. كما ان البعد السياسي لوجودهم قسم اللبنانيين بين داعم ومناهض وصولاً الى الحرب الاهلية عام 1975. وفي فترة من الفترات اصبحت الساحة اللبنانية الميدان الاهم لديناميكية القضية الفلسطينية وتشعباتها خاصة في الفترة من 1968 الى 1983. ولم تختف هذه الديناميكية بعد 1983 بسبب استمرار الاحتلال الاسرائيلي لأراض لبنانية واستمرار تواجد مهم للاجئين الفلسطينيين يشكّل عشرة في المئة من عدد سكان لبنان حالياً. وانقسم الوضع القانوني اللبناني للاجئين في لبنان الى اربع مراحل: المرحلة الاولى: 1949 - 1958 طبعتها السياسة العفوية والارتجالية، حيث اتكل الرئيس كميل شمعون على الامن الداخلي داخل المخيمات والتعاون مع الفعاليات الفلسطينية في "الهيئة العربية العليا"، التي انتقلت قيادتها الى لبنان، ومع مفتي فلسطين الحاج امين الحسيني الذي أقام في لبنان في المنصورية توفي عام 1974. المرحلة الثانية: ابتدأت مع ولاية الرئيس فؤاد شهاب واستمرت حتى العام 1968 وارتبطت بانضباط امني وسياسي واجتماعي صارم حيث سيطرت على المخيمات السلطة اللبنانية عبر مديرية شؤون المهجّرين في وزارة الداخلية والمكتب الثاني شعبة المخابرات في الجيش اللبناني، وللسلطتين مكاتب وتواجد بارز داخل المخيمات. المرحلة الثالثة: هي فترة الفلتان الكبير الذي رعته اتفاقية القاهرة من 1969 الى 1982. ففي اواخر الستينات قويت شوكة المقاومة الفلسطينية وتصاعدت العمليات الفدائية عبر الحدود اللبنانية وجلبت ردات فعل عنيفة جداً بمستويات لم يعهدها لبنان في الفترات السابقة، ورغم ان الجيش اللبناني ابقى المنطقة الحدودية تحت سيطرة محكمة، الا ان هذا لم يمنع الفلسطينيين من التسلل فترد اسرائيل في العمق اللبناني قصفاً وتدميراً وصولاً الى غارات على مطار بيروت الدولي في 30 كانون الاول ديسمبر 1968. ومنذ العام 1969 ابتدأت معارك عسكرية بين الجيش والفلسطينيين واحدثت شرخاً واسعاً في المجتمع اللبناني وازمة حكومية وانقسام الشعب بين مؤيد ومعارض. فاضطرت الدولة الى الانسحاب من المخيمات في شهر آب اغسطس واستلم الامن فيها "الكفاح المسلح الفلسطيني". واضطر لبنان عبر اتفاقية القاهرة في تشرين الثاني نوفمبر 1969 الى اعطاء الفلسطينيين نوعاً من الحكم الذاتي لادارة شؤونهم وامنهم، ما خلق عملياً ما عُرف فيما بعد "دولة داخل الدولة"، كما تنازل الجيش عن منطقة العرقوب لافساج المجال امام المنظمات الفلسطينية شن الهجمات الفدائية ضد اسرائيل عبر الحدود. ولقد ألغت الدولة اللبنانية اتفاقية القاهرة عام 1985 كما نص الدستور الجديد على رفض التوطين. المرحلة الرابعة: التي يعيشها لبنان اليوم ما زالت تراوح اجواء 1969 حيث يحاصر الجيش المخيمات كما كان في السابق لكي تصلح الظروف لعودة شرعية الدولة الى داخلها، وحيث يتصرف اصحاب الامر داخل المخيمات كأن اتفاقية القاهرة ما زالت سارية المفعول فيتصرفون على اساس امنين: امن لبنان وامن المخيمات. ولقد حاول الجيش اللبناني اعادة السيطرة على المخيمات في فترات متباعدة حوادث ايار/ مايو 1973، حرب المخيمات 185 وحصار عين الحلوة منذ 1997. ان ملف اللاجئين في لبنان لا تسيطر عليه الدولة اللبنانية من الناحية القانونية المحضة بل ما زال الوضع يراوح مكانه منذ الغاء اتفاقية القاهرة، في حين اصبح النفوذ داخل المخيمات تتناصفه قوى اقليمية ومن الضروري ان يمتلك لبنان هذه الورقة حين يفاوض حول ضرورة عودة الفلسطينيين الى بلادهم. * خبير اقتصادي لبناني - كندا.