من المتوقع ان تلقى عريضة المئة الخاصة بحق اللاجئين في العودة والتعويض، والمنشورة في "الحياة" في 4/3/2000 ترحيباً واسعاً من الفلسطينيين، لاجئين ومقيمين، لأنها ساهمت في اعادة وضع قضية حق العودة والتعويض في نصابها الصحيح، وفي تسليط المزيد من الأضواء الكاشفة عليها، وفي رسم سقف لحلها لا يجوز التنازل عنه، عملاً بالقوانين والمواثيق والأعراف والقرارات الدولية. كما من المتوقع ان تلقى ترحيباً وتأييداً من الأوساط السياسية والثقافية العربية، وقد شكلت اقتراحات الأديب اللبناني الياس خوري في "الحياة" 4/3/2000 القطرات الأولى التي تسبق غيث البركة. والمئة الموقعون على العريضة لا يدعون احتكار تمثيل اللاجئين، او احتكار التحدث باسمهم. فقضية اللاجئين مثارة على اكثر من صعيد، وقبل ولادة العريضة بزمن طويل، وهي تلقى اهتمامات قوى وفعاليات وتيارات ومؤسسات سياسية وثقافية واجتماعية وانسانية في طول الأرض وعرضها، وبالتالي فإن العريضة تأتي اضافة نوعية لكل ما سبقها، ومحاولة لإعطائه زخماً جديداً، والانتقال به من حالته الراهنة نحو حالة أرقى تطمح نحو التوحد والتواصل في الحركة وتفعيل القضية على اكثر من صعيد وفي اكثر من اتجاه. وكما ان المئة الموقعين لا يشكلون مرجعية حصرية للاجئين، فإنهم لا ينافسون أحداً ممن يولون هذه القضية اهتمامهم، ولا يتحدون أحداً في هذا السياق، وهم لا يضعون فيتو على أحد، ولا يميلون لجهة على حساب جهة اخرى، الا بمقدار اقتراب مواقفها من قضية اللاجئين وحقهم في العودة، والتقائه مع مواقف العريضة وتقاطعه او تطابقه او اختلافه معها. خلاصة الأمر ان العريضة تشكل خطوة ايجابية كبيرة الى الأمام خاصة وانها ولدت على يد اطار واسع نسبياً وصف بلال الحسن المئة الموقعين بأنهم "بعض المثقفين الفلسطينيين" بينما وصفهم الياس خوري انهم "نخبة من الشخصيات الثقافية الفلسطينية" ومع محبتي لالياس خوري فأنا أميل الى عبارة بلال الحسن من المهتمين بقضية اللاجئين وبحقوقهم الا انها ومع ذلك لا تخلو من نقاط ضعف كم كنت أتمنى لو ان اللجنة الراعية تجاوزتها قبل الاعلان عنها. ابرز هذه النقاط: لم يرد في سياقها اسماء ناشطين سياسيين او اجتماعيين، من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في العراق، علماً ان في هذا البلد المحاصر جالية من اللاجئين الفلسطينيين المستقرين فيه منذ النكبة وعددهم لا يقل عن 50 ألفاً، شطبوا في غفلة من الزمن من سجلات وكالة الغوث، وباتوا على هامش قضية اللاجئين، قلما يأتي احد على ذكرهم عند تناول القضية وآن الأوان لانصافهم والتعامل معهم على أنهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، لهم كامل حقوق باقي ابناء هذا الشعب، وفي مقدمها حقهم في العودة الى ديارهم وممتلكاتهم، اما من حيث توافر الكفاءات الجديرة بأن يضاف اسمها الى لائحة المئة الموقعين على العريضة، فإن في صفوف اللاجئين في العراق العشرات من الناشطين الجديرين بذلك. لم تميز العريضة الموقعين على العريضة من أبناء ال48 عن غيرهم. علماً ان في هذه المناطق حوالى 250 ألف لاجئ ما زالوا مشردين ومهجرين خارج مدنهم وقراهم ترفض السلطات الاسرائيلية اعادتهم الى ديارهم وممتلكاتهم عملاً بالقرار 194. وقد انتظمت تحركات هؤلاء منذ العام 1992، تؤطرهم راهناً "للجنة القطرية للدفاع عن حقوق المهجرين"، اصدرت في شباط فبراير المنصرم مذكرة لها بعنوان "حق العودة لمهجري الداخل 1948 غير قابل للتصرف" اعادت فيها شرح القضية ودعت فيها "المهجرين في وطنهم الى مهرجان العودة" في 11/3/2000 وربطت بين مصير اللاجئين داخل اسرائيل ومصير باقي اللاجئين في كافة مناطق انتشارهم داخل الوطن وخارجه. من هنا وجب اشراك ابناء ال48 في التوقيع على العريضة، كما وجب في الوقت نفسه تمييزهم عن باقي مناطق الوطن لتمايز قضيتهم وخصوصيتها، ولإبرازها في الوقت نفسه، وتبديد الوهم بأن اللاجئين لا يتواجدون الا في الشتات فقط. لم يرد في سياق المئة اسماء افراد وهيئات على صلة وثيقة بقضية اللاجئين من حيث الدراسة والمعرفة والاهتمام ومن بينها لجنة الدفاع عن حق العودة في الأردن - على سبيل المثال - والمدعومة والمعترف بها من معظم تيارات المجتمع الأردني، ومنها شخصيات اكاديمية لها دراساتها وأبحاثها عن قضية اللاجئين ومساهماتها الملحوظة في ورش البحث والعمل على المستويات المختلفة. وإدراج هذه الأسماء - من دون ان أسمي أياً منها حتى لا اتهم بالانحياز لواحد دون آخر - تعزيزاً للعريضة ولمواقفها. الآن، وقد نشرت العريضة... ماذا بعد؟ كما سبق وأن قلت فليست هذه هي العريضة الأولى التي تنشر في سياق اثارة قضية اللاجئين وتحريكها، فقد سبق لمجموعات من المثقفين والأكاديميين الفلسطينيين ان نشرت عرائض مماثلة، دعت فيها الى عقد مؤتمرات شعبية في كل قطر مضيف على حدة، تلتقي في الختام في مؤتمر عام يوحد من خلاله اللاجئون مواقفهم من قضيتهم، بحيث تصبح ملزمة للجميع، لا يحق لأحد تجاوزها او التنازل عنها. الا ان مثل هذه المشاريع اصطدمت بعراقيل، بعضها موضوعي وبعضها الآخر ذاتي، على صلة بأصحاب الدعوة انفسهم. ولا نذيع سراً حين نقول ان بعض القوى الفلسطينية عطل - وما زال يعطل - قيام حركة لاجئين مستقلة، في مواجهة سياسات التنازل عن حقوقهم. وعلينا في السياق الا نستبعد بروز معيقات تحاول تعطيل قيام مثل هذه الحركة، اما لأنها حركة غير مسيطر عليها من قبل اصحاب النفوذ السياسي او لأنها قد تتجاوز في آلياتها وقدراتها على الاستقطاب قوى سياسية ما زالت تعيش وهم تمثيلها للشارع الفلسطيني، تحت دعاوي وشعارات تجاوزتها وقائع الحياة وتجاربها، كما تجاوزها الشارع الفلسطيني في ظل ما شهدته قضيته الوطنية من تطورات او تداعيات. لذا أرى، ان العريضة كي تتجاوز تجارب من سبقوها، وتستفيد منها، وتوفر لنفسها القدرة على الحياة، يفترض بها ان تتحول من عريضة المئة من الموقعين الى عريضة لملايين الفلسطينيين اللاجئين، وان تتحول من عريضة ل"بعض المثقفين" او ل"نخبة من المثقفين" الى عريضة لعموم اللاجئين دون استثناء اياً كانت انتماءاتهم التنظيمية او ميولهم السياسية او الفكرية. يجب ان تدفعنا نحو ذلك قناعة بأن حق العودة ما زال موضع اجماع وطني وشعبي فلسطيني. وما زال يشكل خطاً أحمر، لم يجرؤ أحد حتى الآن على المجاهرة بالقدرة على تجاوزه. تحقيق هذا الهدف يفترض بنا نقل العريضة الى حيث يتواجد مجتمع اللاجئين مخيمات - تجمعات سكنية... الخ وجمع التواقيع عليها بالاستناد الى خطة واضحة ومحددة الاهداف، جغرافياً، ورقمياً، وزمنياً، كما يفترض ايجاد آليات تمكنا من صب هذه التواقيع نحو جهة واحدة للاستفادة منها بالأشكال والسبل المختلفة، وكذلك توفير آليات للاعلان عن التواقيع في المكان الذي جمعت به، وبحيث يتحول الاعلان، هنا وهناك عن هذه التواقيع الى مناسبات سياسية في خدمة قضايا اللاجئين، تشترك في احيائها شخصيات فلسطينية وعربية ودولية، يشكل حضورها دعماً لقضية اللاجئين وزخماً لتحرك ابنائها، وتعزيزاً لحصانتها امام السياسات التنازلية، وأمام ما تنذر به العملية التفاوضية من كوارث وطنية. ان هذا التفاؤل وهذا الطموح، لا يلغيان احتمال ان يقف اللاجئون انفسهم من العريضة موقفاً متردداً. اذ من الخطأ التصور انهم سيتجاوبون منذ اللحظة الأولى مع نداء المئة للتوقيع على العريضة. علينا ان نفترض ان العريضة، ومنذ ان نشرت على صفحات "الحياة" صارت موضوعاً للنقاش والتجاذب في مجتمع اللاجئين، على مستوى الأفراد والقوى السياسية. بينهم من يرى فيها خطوة جديدة تبشر بالأمل، مدفوعاً نحو ذلك بالثقة التي يوليها للأسماء الموقعة على العريضة - كلها او بعضاً منها - وبينهم من يرى فيها تكراراً لتجارب سابقة انتهت الى الفشل، وبالتالي فإن الأمر لا يستدعي اهتماماً واشغالاً للبال. يفترض بنا ألا نتجاهل حال الاحباط التي تعيشها شرائح واسعة من الفلسطينيين بفعل ما شهدته قضيتهم من تداعيات، وما احدثته تطوراتها في النفوس من خيبات أمل. كما علينا الا نتجاهل جملة حقائق يؤكد بعضها ان شرائح ذات اهمية في المجتمع الفلسطيني فقدت الأمل بإمكانية الوصول بالقضية الى حل عادل، وإن ما تقرره القوى المهيمنة - الولاياتالمتحدة واسرائيل - سيجد طريقه الى التنفيذ وإن ما من قوى قادرة على مقاومته وتعطيله. ولا يمكن انجاح أية حملة لجمع ملايين التواقيع على العريضة من دون مجابهة حالة الاحباط هذه ومكافحتها. وبذلك نكون قد انتقلنا من مستوى للعمل الى مستوى جديد، هو في جوهره عمل سياسي من الطراز الأول. وهو عمل يتجاوز في ضروراته طاقة المئة الموقعين على العريضة وقدراتهم بأشواط عديدة. ولا يعني هذا الانكفاء او التراجع او اعادة النظر بالهدف، بقدر ما يعني التعرف افضل على ما هو مطلوب، وعلى السبل الكفيلة بتحقيقه. وأرى في السياق، ان المجموعات الموقعة على العريضة، والمنتمية الى كل بلد على حدة، هي المعنية بتدارس مثل هذه القضايا، والتعرف على حقائقها، وتوفير السبل والأساليب الكفيلة، بإنجاز المطلوب. وهو امر يدفعني منذ الآن للتقدير مسبقاً ان هذه المجموعات لن تستطيع التحرك معزولة عن الآخرين بل هي مدعوة للانفتاح عليهم، والتفاعل معهم، كما أرى ان تشكيل لجان الدفاع عن حق العودة في كل مخيم وكل تجمع لاجئين على حدة قد يوفر الصيغة العملية لاستقطاب الحالات النشطة، في عمل منظم سقفه العريضة وما ورد فيها من مواقف. وهكذا نجد انفسنا امام صيغة "تنظيمية" - اذا جاز التعبير - تشكل الأساس لبناء حزب العودة الذي دعا له بلال الحسن في "الحياة" 4/3/2000 وهو حزب لا يشكل بديلاً للصيغ الحزبية والتنظيمية القائمة حالياً، كما لا يشكل بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، بقدر ما سيشكل "ميدان عمل" تتوحد فيه الجهود السياسية، على تنوعها واختلاف اتجاهاتها، في مجرى العمل لصالح قضية اللاجئين. * كاتب سياسي فلسطيني.