التأم شملنا امس في بيروت. وشاهد الشعب العربي وزراء الخارجية وهم يتبادلون التحية مع بداية الجلسة الافتتاحية للمجلس الوزاري، التي استمرت ثلاث ساعات، واتسمت مداخلاتها بالاختصار والتركيز والشمول. اعادنا مؤتمر بيروت الى ماقبل 1990، او هكذا بدت صورة الوزراء ومضمون كلماتهم. لاشك ان المواطن العربي الذي شاهد النقل الحي للجلسة الافتتاحية كان في حال دهشة. فكلمات الوفود تجاوزت الخلافات وركزت على قضية العدوان الاسرائيلي ودعم تلازم المسارين السوري واللبناني، ودعم المقاومة اللبنانية في الجنوب المحتل. ووزير خارجية العراق سلم رئاسة الجلسة بكلمة غير متوقعة اتسمت بالديبلوماسية، والبعد عن الألغام التي اعتاد العراق زرعها في الاجتماعات العربية. وفاروق القدومي اعتذر لطلاب جامعة بيرزيت في شكل غير مباشر، وايد موقفهم من جوسبان متجاهلاً ما واجهوه من اعتقالات، وأعلن دعم السلطة الفلسطينية الموقف السوري في المفاوضات، ولم يتحدث عن مشاكل المخيمات والمسارات. والسودان تجاهل كل مشاكله الداخلية والخارجية وحصاره وخصوماته مع جيرانه وجيران جيرانه واصدقائهم، وتحول وزير خارجيته الى اديب يقرض الشعر ويزرع الأمل، ويبشر بالفرج القريب على كل الجبهات. وموريتانيا كادت تعلن وقف التطبيع مع اسرائيل، وتحدث وزير خارجيتها بطريقة ثورية كأنه وزير لإحدى دول المواجهة السابقة مع اسرائيل. بعد نهاية الجلسة الافتتاحية التفت المواطنون العرب الى بعضهم بعضاً، وقال قائل منهم: مايدريكم انها لا تصدق؟ فرد عليه الجميع: لأنها كبيرة جداً. انها بالفعل كبيرة فليس من المعقول ان نصدق ان العرب اصبحوا هكذا "حبايب" بين عشية وضحاها. واذا كنتم ايها الوزراء تريدوننا ان نصدق فاعرضوا علينا الجلسات السرية، لأن ما حدث امس شيء اقرب الى الخيال ومثل ابن عم الصدق.