عندما أنهى سيئ الذكر بنيامين نتانياهو عهد حكومته بضرب محطات كهرباء في لبنان، حرص خلفه الأسوأ ايهود باراك على التنصل من تلك العملية وكأنه لا يحبذ مثل هذه الجرائم. بل حرص باراك على ابلاغ سورية انه لم يكن راضياً عما حصل، وبالفعل عمدت دمشق الى تبرئة زعيم حزب العمل من جنون زعيم ليكود… وبالأمس اثبت العسكر انهم اصحاب القرار في اسرائيل، سواء كان رئيس الوزراء باراكياهو او نتنباراك، اذ ارسلوا الطائرات لتدمر محطات كهرباء اخرى في انحاء متفرقة من لبنان. لا يتحمل باراك ان يكون له وجه آخر غير ذلك الذي لبسه أسلافه من محاربين ومفاوضين. ولا يستطيع ان يخرج من جلد مجرم الحرب الذي قتل بيده شخصياً فلسطينيين فاجأهم في مخادعهم لا في ساحة المعركة. وها هو المجرم يعتدي على المدنيين اللبنانيين من دون ان يميز بين تلاميذ مدارس، كما حصل قبل اسابيع، وبين مقاتلين يقاومون الاحتلال او مواطنين يقتحم حياتهم وأعمالهم ويفرض عليهم الظلام، لمجرد انه - كمجرم حرب - لا يستطيع ان يفاوض واذا فاوض فليفرض مكاسبه واذا أخفق في ذلك يدافع عن احتلاله لجنوبلبنان، باسم الامن، حتى لو لم يأته هذا الاحتلال بالامن الذي يرغب فيه. أياً كانت الاعتبارات فإن وجود احتلال يعني او يجب ان يعني وجود مقاومة لهذا الاحتلال مهما بلغ الاحتلال قوة وجبروتاً. لبنان يدفع ثمن المقاومة وحده من دون ان يكون متاحاً له، لصغره وضعفه ومحدودية امكاناته، ان يفاوض على انهاء الاحتلال طالما ان المقاومة نفسها بذلت وتبذل ما تستطيعه من دون ان تتمكن من اخراج الاحتلال بالقوة. بل ان المطلب الدائم للبنان كان ولا يزال تنفيذ القرارات الدولية بانسحاب اسرائيلي من جنوبه المحتل، واذ بهذا الانسحاب يتحول مطلباً اسرائيلياً واستحقاقاً يهدد به باراك لبنان وسورية على السواء. لم يقل احد في لبنان ان هذا الانسحاب الاسرائيلي بات مرفوضاً، لكن تصرف الدولة اللبنانية يدل الى انه مرفوض، لذا وجب السؤال: لماذا المقاومة اذاً، أليس هدفها ان تفرض ذلك الانسحاب؟ هُزلت اللعبة الجهنمية في جنوبلبنان الى حد ان وزيراً بائساً مثل دافيد ليفي يهدد بأن اسرائيل يمكن ان تنسحب "حتى" من دون اتفاق مع سورية. ويعتقد ليفي هذا، ربما عن صواب، ان تهديده سيكون مسموعاً، خصوصاً ان اسرائيل زادت في الايام الاخيرة اشاراتها الى وشوك اقدامها على الانسحاب. انها بذلك تضغط على المفاوض السوري، يقول المحللون، لأن سورية تضغط على المفاوض الاسرائيلي عبر المقاومة اللبنانية. وبمثل هذا المنطق السقيم، بل بمثل هذا الامر الواقع، يراد اقناع اللبنانيين بأن ما يحدث امر طبيعي ومقبول. فهو المواطن العربي الوحيد المدعو لأن يتفهم المأزق الذي بلغته المفاوضات على المسار السوري، ولأن يتلقى الضربات ويتمتع بها كونها جزءاً من قدره الانتحاري. ولا أحد يستطيع شيئاً للبنانيين، فسورية مضطرة لاستخدامهم خط دفاع اول في استراتيجيتها التفاوضية، واسرائيل محرجة لأن جنوداً لها يقتلون في المنطقة اللبنانية التي يحتلونها، والولايات المتحدة مربكة لأن قدراتها الهائلة لم تستطع اقناع لبنان بقبول الاحتلال الاسرائيلي والاستفادة من فوائده، ولا اقناع سورية بمكافأة اسرائيل على احتلالها للجولان ولا اقناع اسرائيل اصلاً بما تتطلبه "عملية السلام" حتى لو كانت مجرد تسوية. مثل هذا الوضع المعقد، بما فيه من عبث بلبنان البلد والشعب من جانب الاطراف جميعاً، هو ما يتيح للاجرام الاسرائيلي ان يعربد من دون اي رادع. وعندما ينتفي القانون الدولي بفعل التواطؤ الاميركي، وتنتفي القوة بفعل الغياب العربي، فيما يستمر الارهاب الاسرائيلي وضرباته الدموية ضد الاهداف المدنية، لا يبقى سوى المقاومة بمعزل عما تستطيعه ضد القوة الاسرائيلية. ولكن استغلال المقاومة وتوظيف الساحة اللبنانية على خلفية المفاوضات وعراقيلها لعبة بشعة يجب ان تتوقف فوراً.