تعطي التصريحات الصادرة عن عدد غير قليل من كبار المسؤولين الاسرائيليين في الأيام الأخيرة بشأن فرص استئناف مفاوضات السلام مع سورية اشارات وانطباعات متباينة، أقلها يبشر بقرب استئناف المفاوضات ومعظمها يريد القاء اللوم على سورية واتهامها بأنها هي التي تتشدد وهي التي ينبغي أن توضح مواقفها سلفاً من أمور عدة قبل العودة الى طاولة المفاوضات. ولنبدأ بأعلى اولئك المسؤولين مستوى، أي رئيس الوزراء ايهود باراك الذي أعلن غداة فوزه في الانتخابات الأخيرة في أيار مايو الماضي انه يعتزم احياء عملية السلام على كل المسارات وينوي الانسحاب من جنوبلبنان في غضون سنة. وقد بدا واضحاً لمعظم المحللين، بمن فيهم محللون اسرائيليون، ان كلامه عن الانسحاب من لبنان يقتضي تسوية مع سورية بسبب تلازم المسارين السوري واللبناني. ولكن باراك يسعى الى فصل هذين المسارين احدهما عن الآخر من خلال تسريب حكومته ان رئاسة أركان الجيش الاسرائيلي أمرت بإعداد دراسة عن الانسحاب من الجنوباللبناني اما بناء على اتفاق أو من دون اتفاق. والقصد من هذا واضح. ان باراك يريد للسوريين، اذا لم يلينوا مواقفهم ويقبلوا بشروطه، ان يفقدوا قدرتهم على استخدام ورقة تلازم المسارين وسيلة ضغط على اسرائيل. وهو يرفق هذا بتهديد للبنان، أذاق اللبنانيين عينة منه ومثالاً عليه قبل أكثر من شهرين بقصف جسور ومحطات كهرباء. وأمس نقلت وكالة "اسوشييتدبرس" عن مكتب باراك ان رئيس الوزراء قال في لقاء مع مستوطنين يهود يعيشون في مستوطنات في الجولان، انه لا يستطيع ان يحدد عمق الانسحاب من الهضبة السورية المحتلة الا إذا عرف موقف الرئيس حافظ الأسد من أمور مثل السياحة، ولبنان، والمياه، والانذار المبكر وترتيبات الأمن. كأن باراك نسي فجأة كل ما توصلت اليه المفاوضات مع سورية وما دار في لقاءاته مع اللواء حكمت الشهابي، على رغم انه تذكر قبل أسابيع في حديث أدلى به الى صحيفة "جويش كرونيكل" اللندنية مدى دقة الشهابي واستيعابه للمواضيع التي يتحدث فيها. وأمس أيضاً توقع داني ياتوم مستشار باراك لشؤون الدفاع والخارجية استئناف المفاوضات مع سورية "ربما بمساعدة الولاياتالمتحدة" في غضون أسابيع، فيما اتهم حاييم رامون، الوزير في مكتب باراك، سورية بفرض شروط "غير منطقية اطلاقاً" لاستئناف المفاوضات. ان الأمر غير المنطقي اطلاقاً هو أن يطلق كل من ياتوم ورامون، برغم انهما كلاهما في مكتب باراك ويلازمانه، تصريحاً يناقض تصريح زميله ويزيد من بلبلة صورة الموقف الاسرائيلي. وقد أدلى مسؤولان اسرائيليان آخران، لا يملكان صلاحيات فعلية مماثلة لصلاحيات من سبق ذكرهم، بدلوهم في مسألة المفاوضات مع سورية، اذ اتهم الرئيس الاسرائيلي عيزر وايزمان الرئيس السوري بأنه ليس مهتماً بالتوصل الى سلام مع اسرائيل، فيما ذهب وزير الخارجية ديفيد ليفي الى القول بضرورة عدم ربط عملية السلام بالمفاوضات على المسار السوري! ولا بد أن يقال لأولئك الساسة الاسرائيليين جميعاً ان موقف سورية في منتهى الوضوح، فهي تعتبر السلام مطلباً استراتيجياً، وهي لا تطلب سوى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية القاضية بمبدأ الأرض مقابل السلام، وهي ترى ان لا معنى لمفاوضات سلام لا تعيد الأرض الى أصحابها، وهي مستعدة لمواصلة المفاوضات مع اسرائيل من حيث توقفت لأنها لا تريد أن تضيع وقتاً أو شبراً من أرضها، وهي تؤمن بسلام يعطي لكل ذي حق حقه، وقد ضاقت ذرعاً بالمناورات الاسرائيلية في عهد حكومة باراك الى درجة اعتبار انها تقتفي خطوات حكومة بنيامين نتانياهو.