"نحن الآن في بغداد عام 1991، وشئ رهيب يحدث. السكون يخيم فوق المدينة ويضئ وجه صفحة السماء. الجنود والناس يركعون إذ يسمعون الصوت كأنه قادم من داخلهم يأمرهم باطاحة الشرير الخائن صدام حسين. وخلال دقائق يقتحم الغوغاء الغاضبون القصر، فيما يولي الحرس هاربين...". بهذه الكلمات يستهل تقرير صادر في العدد الأخير من ملحق "علوم وتكنولوجيا" الاسبوعي الصادر عن صحيفة "غارديان" في لندن. يعرض التقرير تفاصيل الخطة التي وضعها المجلس الاستشاري العلمي في سلاح الجو الأميركي لاستخدام ما يسميه السلاح النفسي "الأقصى" في حرب الخليج، ويفسر لماذا تراجع المخططون الاستراتيجيون الأميركيون عن استخدامه. سيناريو شديد الخيال وضعه المخططون في سلاح الجو الأميركي. اعتمد السيناريو على استخدام صوت قادم من السماء لتحقيق النصر في حرب الخليج دون دماء. ويشير تقرير "غارديان" الى أن فكرة استخدام صوت "سماوي" ليست جديدة. ففي القرن الثاني للميلاد أوحى الرهبان الرومان بأن تمثال الاله "آيسكوبولوس" يتحدث اليهم، في حين كان الصوت صادرا من راهب مختفي داخل التمثال يتحدث عبر انبوب. لكن التضليل الاستراتيجي الأميركي اعتمد على استخدام الليزر في تقنية "الهولوغرام" لانشاء تمثال مجسم عملاق يغطي سماء العراق. وناقشت الخطة التي وضعها "المجلس الاستشاري العلمي" لسلاح الجو الأميركي إقامة مرآة مدارية عملاقة تمتد كيلومترات عدة عبر الفضاء. وبسبب حجمها ينبغي أن تُصنع المرآة المدارية من مادة خفيفة جداً لتركيبها على لوح رقيق مصنوع من سبيكة بلاستيكية ومعدنية. وتُطلق المرآة وهي مطوية في الفضاء وتنفتح عندما تصل الى مدار أرضي فوق العراق. لكن المخططين وجدوا أن عرض أكبر مرآة جري صنعها لحد الآن لا يزيد على 30 متراً، وهدا أصغر كثيراً من انتاج صورة "سماوية" تؤثر على سكان بغداد. وعرض المجلس الاستشاري العلمي خطة بديلة لصنع مرآة من الهواء الخفيف. تستفيد الخطة من ظاهرة السراب السماوي الذي ينشأ عندما تعتلي طبقة هواء دافئة ظهر طبقة هواء باردة. الاختلاف بين كثافتي الطبقتين كاف لانحناء الضوء. وهذه الظاهرة هي السبب في رؤية صور مياه جارية موهومة تُرى على الطريق في الأيام الحارة. وينشأ السراب أحياناً على ارتفاع أعلى ويرسم مناظر بكاملها في الجو. اعتماداً على ذلك عرضت الخطة الاستراتيجية إقامة سراب اصطناعي عن طريق تسخين الجو بواسطة أشعة الراديو أو المايكرويف. ويبدو أن المخططين الاستراتيجيين Think-Tank لسلاح الجو الأميركي كانوا على يقين من القوة الكامنة في استخدام تقنية "الهولوغرام". وعرضوا أفكاراً عدة تراوح ما بين استخدام صور الهولوغرام الوهمية الى التشويهات الصوتية الميدانية المفزعة في أفلام الفضاء "ستار تريك". واعتقد المخططون أن هذه التقنيات نافعة للتضليل الاستراتيجي، خاصة ضد أعداء غير متمرسين. وعرضت فكرة أن تحمل طائرات خاصة المسلاط البروجكتور الهولوغرامي الجوي. وقد تكون أصلح طائرة لذلك هي الطائرة البريطانية الخاصة بالقيادة الفردية "هيركوليس" Solo Comando المرقشة بالهوائيات والمحملة بحشد من الألكترونيات. وكانت طائرة "هيركوليس" قد استخدمت في العمليات الألكترونية خلال حرب الخليج وكوسوفو، وهي مجهزة بمعدات تمكنها من البث عبر الطيف الكهرومغناطيسي بما في ذلك البث الاذاعي والتلفزيون. ومن بين القدرات الاخرى للطائرة تقنيات التشويش والتضليل والتحكم. ولكن الصورة السماوية ليست كافية لخلق رد الفعل الرهيب لدى سكان بغداد. لذلك تضمنت الخطة استخدام صوت "مزلزل" بالاعتماد على تقنية جديدة تستخدم أشعة المايكرويف. عندما تضرب هذه الأشعة القوية جسم الانسان تُحدث اختلاطات حرارية صغيرة. ويسبب هذا تمدد نسيج الجسم الذي يصفع بموجة صوتية عالية. وتوقع تقرير المجلس الاستشاري العلمي لسلاح الجو الأميركي أن يؤدي "استخدام الدفق النابض الى نشوء مجال صوتي مسموع يبلغ ما بين 5 و15 كيلوهيرتزاً. ويتيح هذا مخاطبة العدو بصوت فظيع يبث الرعب". رؤوس سكان بغداد وناقش تقرير المجلس الاستشاري العلمي الصعوبات الكبيرة التي قد تقوم في وجه استخدام بث أشعة المايكرويف. فالتحكم بدقة الصوت يتوقف على قياس جمجمة المستمع وشكلها وموقعها من مصدر الصوت. فأشعة المايكرويف يمكن أن تنعكس أو تخمد إذا واجهت أجساما صلبة، وقد يجعل هذا الصوت "السماوي" مضطرباً كصوت ينتقل تحت الماء. ويتساءل التقرير "هل يمكن الايمان بصوت الهي يصمت عندما يقترب من عامود كهرباء"؟ لكن على رغم الصعوبات التقنية التي واجهتها الخطة فان العقبة الأساسية كانت ثقافية. سبب ذلك "أن صور الاله محرمة في الاسلام. وكيف يمكن تسليط صورة إله من السماء عندما لا يعرف الناس كيف يبدو"؟ وهناك مشكلة نفسية أساسية، في رأي المحرر العلمي في "غارديان" الذي يعتقد بأن خطة سلاح الجو الأميركي تحمل "تصوراً ساذجا للأجانب كمخلوقات شديدة التطير مستعدة للهروب عند سماع صوت مضخّم ينطلق من مذياع". ويذكر المحرر أن هذا قد يحدث في بعض الأماكن قبل قرن "لكن سكان بغداد ليسوا متخلفين في أي حال. فعندهم هوائيات فضائية ويملكون كباقي سكان العالم أجهزة فيديو". ويضيف "الناس عرفوا خلال سنوات الصور الماهرة المصنوعة بالكومبيوتر والمؤثرات الصوتية الخاصة. وإذا ما ظهرت صورة إله في السماء فان أحدهم سيتطلع الى الصورة ويقترح أن كل ذلك صنع بواسطة المرايا".