واجه وصول رئيس جمهورية مقدونيا الجديد بوريس ترايكوفسكي الى منصبه، صعوبات لم يلاقها أي رئيس آخر تم انتخابه عن طريق الاقتراع العام في منطقة يوغوسلافيا السابقة، منذ التزام الأساليب الديموقراطية فيها قبل حوالي عشر سنوات، اذ استدعى ذلك ثلاث جولات انتخابية. الأولى، في 31/10/1999 شارك فيها ستة مرشحين، ولم تسفر عن حصول أي منهم على نسبة الخمسين في المئة من الاصوات المطلوبة دستورياً للفوز، ما تطلب اللجوء الى جولة اخرى حاسمة بين المرشحين اللذين جاءا في المرتبتين الأولى والثانية، فدخلها باعتباره ثانياً 22 في المئة من الأصوات وهو ينتمي الى الحكومة، مع الأول 34 في المئة من الأصوات مرشح المعارضة. وتمت الجولة الثانية في 14/11/99 واسفر احصاء مؤيديه عن حصوله على 592118 صوتاً واعتبرته اللجنة الانتخابية فائزاً ومتفوقاً على منافسه ب77 ألف صوت، إلا ان شكوى المعارضة لدى المحكمة العليا بحصول تزوير لمصلحته في المناطق الغربية من البلاد يسكنها الألبان الذين يشكلون 25 في المئة من مجموع سكان مقدونيا أدى الى إلغاء 150 ألف صوت من الحصيلة، ما جعل منافسه يتفوق عليه ب68 ألف صوت، واستدعى ذلك إعادة الاقتراع في ربع المراكز الانتخابية في البلاد في جولة ثالثة. وجرت الجولة التي فرضتها المحكمة العليا في 5/12/99 وفاز فيها ترايكوفسكي بعدما منحه الألبان مجدداً أصواتهم بنسبة زادت عن 90 في المئة من عدد ناخبيهم، واعتبرتها المعارضة "تزويراً" ايضاً، لكنها آثرت عدم مواصلة الاعتراضات، ما دامت الإعادة تتم في المناطق الألبانية وتأتي بالنتيجة ذاتها، وبذلك أصبح المرشح الفائز برئاسة جمهورية مقدونيا. وأدى ترايكوفسكي اليمين الدستورية في حفل تنصيب رسمي اقيم في البرلمان المقدوني في العاصمة سكوبيا يوم 15/12/99، وبذلك تسلم المهمات الرئاسية المقررة في الدستور لمدة خمس سنوات خلفاً للرئيس السابق كيرو غيلغوروف 83 سنة. لكن النواب المعارضين قاطعوا الحفل، وأعلنت المعار ضة أنها لن تعترف به رئيساً أو تتعامل معه رسمياً، وستواصل اتباع "الأساليب الشرعية لإلغاء رئاسته غير القانونية". ولد بوريس واسمه يعني: مكافح ترايكوفسكي وهذا لقبه، وهو من الاسماء - الالقاب الشعبية في 25/6/1956 في قرية تابعة لمدينة ستروميتسا جنوبمقدونيا - قرب الحدود مع اليونان، وتخرج من كلية الحقوق بجامعة سكوبيا عام 1980 ليعمل مستشاراً قانونياً في الشركات المعمارية. ومنذ 1987 غادر الى الولاياتالمتحدة الاميركية - كما يتردد في مقدونيا - عن طريق الكنيسة البروتستانتية الميثودية النظامية، المنهجية التي ينتمي اليها لا يتجاوز عدد منتسبيها في مقدونيا الألفي شخص ليعمل في المجالات الدينية التابعة لها، وهو متزوج وله بنت وولد. وعاد الى مقدونيا في 1991 مع ازدياد النشاط الذي اطلقته التعددية السياسية فيها مع بدء انهيار يوغوسلافيا السابقة، وانضم الى حزب "التنظيم الثوري المقدوني الداخلي - الحركة الديموقراطية للوحدة القومية المقدونية"، وبعد عام تولى مسؤولية لجنة العلاقات الخارجية للحزب، حيث - حسب تقويم حزبه لعمله - تمكن من توسيع اتصالات الحزب مع الحزبين: الديموقراطي والجمهوري في الولاياتالمتحدة، اضافة الى الاحزاب القيادية في المانيا وفرنسا وبريطانيا وسويسرا والنمسا وهنغاريا واليونان وغيرها. وبذلك كله، وبحسب الرواية الحزبية، تعززت مكانة الحزب في المجال السياسي العالمي. وبعد فوز الحزب في الانتخابات البرلمانية التي جرت في تشرين الثاني نوفمبر 1998 وقيادته للائتلاف الحكومي في مقدونيا، تولى منصب نائب وزير الخارجية. وعند اشتداد أزمة كوسوفو تسلم الإشراف العام على أمور المساعدات الانسانية وشؤون اللاجئين في مقدونيا. وعلى رغم ما تسميه المعايير المقدونية ضعفه المعنوي الناجم عن مذهبه الديني، حيث يعتبر المنتمون الى العرق المقدوني ان المذهب الارثوذكسي 66 في المئة من السكان هو ضرورة مكملة لشعبهم، فقد تم اختياره مرشحاً لحزبه، الذي هو اصلاً حزب قومي للعرق المقدوني، في انتخابات الرئاسة، ما جعل العرقيين المقدونيين ينحاوزن الى تأييد منافسه تيتو بيتكوفسكي مرشح الحزب الاشتراكي الديموقراطي يساري متحفظ تجاه التعاون الاقليمي مع الدول الغربية وحلف شمال الاطلسي. واضطر بوريس ترايكوفسكي وحزبه الى الالتجاء الى الأصوات الكبيرة للاقليات القومية والدينية من أجل تفادي هزيمته، وقال معارضوه ان ذلك تم بإيعاز من الولاياتالمتحدة، وفي مقابل مكاسب سياسية حصلت عليها هذه الاقليات على حساب الغالبية العرقية المقدونية. على انه تجنب خلال حملته الانتخابية كل اشارة الى مذهبه الديني أو سفره الى الولاياتالمتحدة، ولعله أراد بذلك عدم اقحام القضايا الدينية في مسألة الرئاسة، محاولا التأكيد على ان "رئيس الجمهورية رئيس لكل الأعراق السكانية في الدولة المقدونية". وينتمي الرئيس ترايكوفسكي الى اتجاه اليمين، وهو من الداعين الى اقامة علاقات وطيدة مع الولاياتالمتحدة وحلف شمال الاطلسي والمؤسسات الأوروبية المختلفة، وتأييد الخطوات الغربية ضد نظام بلغراد والتعاون مع الاجراءات الدولية في كوسوفو. وهو بذلك يناسب ما تريده الدول الغربية للوضع البلقاني الجديد. وقد استهل عهده في الرئاسة بزيارة مقر حلف شمال الاطلسي في بروكسيل وعدد من عواصم دول الاتحاد الأوروبي، موضحاً في تصريحاته للمقدونيين انه سيكثف مساعيه، خلال رئاسته، من اجل تحقيق الهدف الذي وعد به، اي ادخال مقدونيا في النظام الأوروبي، من اجل حل مشاكلها العرقية والاقتصادية وضمان أمنها الاقليمي وحدودها بالنسبة الى جيرانها. وإزاء ما واجهه ترايكوفسكي من مصاعب أثناء انتخابه، وما يتوقع ان يضعه معارضوه من عراقيل أمامه اثناء رئاسته، فإن تحقيق ما يصبو اليه لا يبدو سهلاً، خصوصاً ان بلاده تتكون من عرقيات عدة لا تزال بعيدة عن الوئام في ما بينها، اضافة الى الوضع البلقاني المضطرب محلياً والخلافات الدولية في شأنه. لكنه، رغم ذلك كله، فإنه يكرر اعلان عزمه دائماً ويقول: "كل من سار على الدرب وصل".