لكل مرحلة من مراحل العمر مشاكلها الخاصة بها، فالطفولة مسؤولية ضخمة ملقاة على عاهل الأبوين، والشباب مرحلة ملغومة بالتناقضات، والكهولة مرحلة حرجة وفي حاجة الى عناية خاصة. إلا أن المراهقة بمثابة قنبلة موقوتة، لو لم يحسن التعامل معها لانفجرت. وفي مصر بلغ عدد هذه القنابل الموقوتة في العام 1996 نحو 13 مليون صبي وفتاة تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاماً، وذلك من مجموع نحو 65 مليون مصري. ورغم أهمية هذه الفترة الحرجة، إلا أن المعلومات المتوافرة عنها على الصعيد القومي شحيحة للغاية، وتشير دراسة صدرت حديثاً عن منظمة "يونيسيف" ومجلس السكان الدولي أن الاستثمارات الموجهة للبرامج الخاصة بالمراهقين في مصر ضئيلة جداً. ورغم النتائج المثيرة للدراسة التي أجريت في العام 1997 والتي اثبتت أن الشباب عموماً في هذه المرحلة يتسمون بالاتزان والتكيف، وأن حالتهم الصحية ومستواهم التعليمي أفضل مما كانا عليه قبل عقد مضى، إلا أنهم يتعرضون لمشاكل يجب أن ينظر إليها بعين الاعتبار. وينظر التقرير بعين حيادية الى نصفي الكوب الخاوي والممتلئ، فرغم أن نسبة الملتحقين بالتعليم الابتدائي بين 8 و11 عاماً بلغت 90 في المئة في العام الدراسي 1996 - 1997، إلا أن الفتيات في سن العاشرة في ريف الوجه القبلي، لم يلتحق ثلثهن بالمدارس لسوء الأحوال الاقتصادية. كما أن معدلات التسرب من التعليم الابتدائي انخفضت في الفئة الاقتصادية والاجتماعية محدودة الدخل في ريف الوجهين البحري والقبلي، إلا أن معدلات التسرب المتزايدة في المناطق الحضرية في هاتين المنطقتين تثير القلق، وتتطلب المزيد من الانتباه. ويبدو أن العامل الاقتصادي يتحكم بشكل كبير في الوضع التعليمي لتلاميذ الأسر محدودة الدخل، إذ يكونون اكثر عرضة لإعادة العام الدراسي والرسوب المتكرر مقارنة بأقرانهم. أما التلاميذ العاملون، فإن احتمال إعادة العام الدراسي أكثر من زملائهم من غير العاملين بنسبة 6،1. بل إن العامل الصحي - وهو أيضاً وثيق الصلة بالوضع الاقتصادي - يؤثر على تحصيل التلاميذ العلمي. وقد دلت الدراسة على أن المراهقين الذين يعانون التقزم والانيميا أكثر عرضة للأداء الدراسي ضعيف المستوى، بل وإعادة السنة إذا قورنوا بأقرانهم من المراهقين الطبيعيين. وتتناول الدراسة قضايا صحية عدة خاصة بالمراهقين، على رأسها ختان الإناث، فتبين أن 86 في المئة من الفتيات غير المتزوجات بين سن 13 و19 عاماً مختنات ورغم أنها نسبة مفزعة، إلا أنها اقل بنسبة عشرة في المئة عن النسبة المذكورة في دراسة المسح السكاني للعام 1995. نسبتان مفزعتان في مجال الصحة أيضاً، وهما أن 47 في المئة من المراهقين المصريين مصابون بالانيميا، و65 في المئة منهم مصابون بأمراض طفيلية في الامعاء. والأدهى من ذلك أن الشباب تحت سن العشرين في مصر لا سيما الذكور يعانون التقزم، وكثيراً ما يتأخر النضج الجنسي لديهم. ويلقي التقرير الضوء كذلك على الخدمات الصحية المقدمة للمراهقين في مصر، والمثير للدهشة أنه رغم ارتفاع مستوى التأمين الصحي في المدارس، إلا أن ما يزيد على نصف طلاب المدارس في سن المراهقة لا ينتفعون به، ويعتمدون على القطاع الخاص. ويشير التقرير في الاحصاءات عن عمل المراهقين الى ان ثلث النشء من سن 10 إلى 19 عاماً يمارس نشاطاً اقتصادياً، وما يزيد على نصفهم دون سن 15 عاماً. كما أن نسبة كبيرة منهم تحت السن القانونية تعمل في الزراعة، وهي مسألة لا ينظمها القانون. وثلث المراهقين العاملين بأجر يتعرض للمخاطر المحتمل حدوثها، مثل الوقوف أمام النيران فترات طويلة، واستخدام الأدوات الحادة وغيرها. ومن الجوانب الإيجابية في الدراسة أن غالبية المراهقين تؤكد أنه يمكنها التعبير عن آرائها في حضور الأهل بحرية تامة، وأنهم يشعرون أن الآباء يُكنّون لهم احتراماً، إلا أن الأمر يختلف في ما يتعلق بالتغييرات الجسمانية التي تحدث عند البلوغ. ولا يزال المجتمع المصري يكتنفه قدر غير قليل من الجهل في ما يختص بالخصوبة وتنظيم الأسرة لا سيما بين الفتيات. ورغم أن غالبية المراهقين - الأكبر سناً - على دراية بمرض "الإيدز"، إلا أن المعلومات الدقيقة والصحيحة عن كيفية انتقال المرض والوقاية غير كافية. ولا يزال المجتمع المصري يعاني تبايناً واضحاً في سن زواج الفتاة بين المناطق المختلفة، إلا أن 42 في المئة من الفتيات يكن قد تزوجن بالفعل مع بلوغهن سن العشرين. وتنادي الدراسة بأهمية تحسين أوضاع الشباب المراهق، والحاجة الماسة الى الاستثمار في مجالات الصحة والتعليم والإعداد للعمل. وتشيد بالمبادرات التي تبذل لتوفير حاجات الشباب في مجالات المعلومات والخدمات الصحية الإنجابية، بالإضافة الى حملات القضاء على ختان الإناث، إلا أن هذه المبادرات يجب أن تمتد الى مجالات أخرى من شأنها المساهمة في تحسين أوضاع الشباب.