مشكلات شباب المدينة ومراهقيها تختلف عن أقرانهم في الريف. وأولويات هذه الفئة العمرية في شمال مصر تختلف عن أولوياتها في صعيدها. وما يعتبر بديهيات وأموراً مفروغاً منها لشباب العاصمة ربما تكون رفاهية وغائبة عن قائمة الاهتمام في المحافظات الحدودية. ولتحديد العلة ووصف العلاج المناسب، أو لمعرفة نقاط القوة والبناء عليها للمستقبل لا يمكن إلا الاعتماد على رصد رقمي ورسم بياني وإحصاء معلوماتي. «الموجز الإحصائي» الذي تم إعلانه في القاهرة قبل أيام حمل العديد من المفاجآت والصدمات غير المتوقعة. فقد كشف النقاب عن مشكلات متجذرة بين شباب ومراهقي مصر حيث استمرار ظاهرة زواج الأطفال، وارتفاع نسب الغياب عن المدرسة، وتوحش غول البطالة. كما أشار إلى هيمنة مشكلات صحية مقلقة، وتوغل مظاهر عنف خطيرة. حتى طرق قضاء الوقت جاءت مفاجئة للجميع. الموجز الإحصائي «أطفال مصر 2016» الذي أجراه كل من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ومنظمة الأممالمتحدة للطفولة (يونيسيف) والمجلس القومي للطفولة والأمومة تحت رعاية وزارة الاستثمار والتعاون الدولي خصص فصلاً كاملاً عن أبرز الأرقام والإحصاءات الخاصة بالشريحة العمرية بين 15 و29 سنة والذين يمثلون نحو 30 في المئة من المصريين. وبدلاً من أن تنصب غالبية الأرقام والمؤشرات حول التعليم والصحة والتأهيل لسوق العمل، فقد احتلت نسب الخصوبة ومظاهر العنف، لا سيما تلك الموجهة للإناث حيزاً كبيراً. ارتفعت نسبة الخصوبة بين المراهقات بين سن 15 و19 سنة من 51 ولادة بين كل ألف امرأة في عام 2000 إلى 56 ولادة في هذه الفئة العمرية في عام 2014، وهو ما يعني استمرار ظاهرة زواج الصغيرات. وعلى رغم ذلك، فقد زادت نسبة الأمهات تحت سن ال20 اللاتي يحظين برعاية صحية زيادة كبيرة إذ وصلت إلى ما يزيد على 90 في المئة، وإن ظل شبح زواج الصغيرات مهيمناً. هيمنة أخرى تطغى عليها سمة العنف هي ختان الإناث، وهي الممارسة التي ما زالت منتشرة إلى درجة كبيرة جداً في مصر على رغم سنوات طويلة من مواجهتها، ومحاولات تجريمها والتوعية بأخطارها. صحيح أن نسبة الفتيات اللاتي خضعن للختان في الفئة العمرية بين 15 و29 سنة انخفضت من 91,1 في المئة في عام 2008 إلى 87،2 في عام 2015، لكن تظل النسبة بالغة الارتفاع، ولا تناسب كم جهود التوعية والمنع والمواجهة التي تجري. وجرى العرف أن يعتقد الناس أن نسبة الأمية بين الفتيات أعلى من مثيلتها بين الأولاد، لكن العكس هو الصحيح. فقد تفوقت الفتيات وفاقت نسبة التعليم بينهن 96 في المئة، في حين بلغت النسبة بين الذكور 94،2 في المئة. كما انخفضت نسبة الغياب عن الحضور إلى المدرسة في شكل ملحوظ بين الفتيات مقارنة بالفتيان. وعلى رغم ذلك إلا أنه لا ينعكس إيجاباً على نسب البطالة والتشغيل، حيث تزيد نسبة مشاركة الذكور في سوق العمل (56،3 في المئة) على الفتيات (23،6 في المئة) وذلك في الفئة العمرية بين 15 و29 سنة. لكن العدالة تعرف طريقها إلى الجنسين في ما يختص بتعرضهما للعنف. أكثر من 90 في المئة من المراهقين والمراهقات قالوا إنهم تعرضوا لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف، بل إن 41 في المئة قالوا إنهم تعرضوا لشكل صارخ من أشكال العنف الجسدي. كما بلغت نسبة من قالوا إنهم تعرضوا للمضايقات في المدرسة مرة واحدة على الأقل خلال شهر واحد 70 في المئة، ما يعني أن المضايقات المدرسية أو التنمر بات ظاهرة متفشية. تفش من نوع آخر يثير العجب هو قلة الاهتمام بالنظافة الشخصية، لا سيما بين المراهقين، وذلك في أمور مثل غسل الأسنان والأيدي. فقد انخفضت نسبة من يغسلون أسنانهم وأيديهم مرة واحدة على الأقل في اليوم من نحو 50 في المئة في عام 2006 إلى نحو 40 في المئة في السنوات القليلة الماضية. وما يثير القلق أيضاً ارتفاع نسب السمنة والأنيميا، فقد بلغت الأولى نحو 34 في المئة بين المراهقين، وهي نسبة مرتفعة لا سيما بإضافة نحو 11 في المئة أخرى يعانون من السمنة الزائدة. الغريب أن الفئات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة المتراوحة بين الفقراء جداً ومتوسطي الحال والأثرياء تتساوى في سمنتها. كذلك الحال بالنسبة إلى الأنيميا التي تصيب نحو 21 في المئة من المراهقات و17 في المئة من المراهقين. علامة أخرى مثيرة للقلق هي نسبة المدخنين بين المراهقين والشباب، حيث قال 19 في المئة من المراهقين الذكور إنهم مدخنون وترتفع النسبة إلى ما يزيد على 43 في المئة بين الشباب في الفئة العمرية بين 20 و29 سنة. وعلى رغم تدني نسب الفتيات المدخنات، لكن يُعتقد أن الرد بالإيجاب على مثل هذا السؤال يشوبه حرج يمنع كثيرات من الصدق. ويستمر الصدق في الرد حيث قال 86 في المئة من المراهقين إنهم يشترون السجائر من المحلات والأكشاك بسهولة ويسر ومن دون سؤال أو تدقيق في أعمارهم. لكن اختلاف الأعمار كان عاملاً بالغ التأثير في نوعية الأنشطة التي يقوم بها الجميع. فوقت الفئة العمرية بين 10 و17 سنة مقسم بين التعليم والمساعدة } في أعمال البيت والقيام بأعمال في المحيط المجتمعي القريب. أماد الفئة العمرية الأكبر (بين 18 و29 سنة) فوقتها الأكبر يتم قضاؤه (أو إهداره) في المحيط المجتمعي، وتليه المساعدة في الأعمال المنزلية، ونحو 15 في المئة فقط من الوقت تُمضى في التعلم. ولا تتراوح النسب كثيراً بين الريف والحضر. اللافت أن نسبة من يمضون جانباً من وقتهم في القيام بأنشطة ترفيهية في هذه الفئة العمرية ضئيلة جداً. وتتراوح هذه الأنشطة بين حضور فعاليات ثقافية ورياضية وترفيهية، وممارسة هوايات أو رياضة، أو متابعة التلفزيون وكل منها لا يزيد المهتمون به (أو من يملكون رفاهية القيام بها) على ثلاثة في المئة على أحسن تقدير. وبعيداً عن تلك الأرقام والإحصاءات المهمة الخاصة بمراهقي وشباب مصر، فإن نسباً وطنية تؤثر في شكل واضح على الجميع. فقد ورد في الإحصاء أن المعدل الوطني للفقر بلغ 28 في المئة وبلغ أقصاه في ريف الصعيد. وهناك 1،4 مليون مصري بين سن 6 و17 سنة خارج نظام التعليم.