كلما أقيم معرض للكتاب في عاصمة عربية يجري الكلام عن أزمة الكتاب العربيّ وعن هموم الناشر والكاتب على السواء وعن موت القارىء وتراجع القراءة... وكلّما جرى الكلام عن هذه الأزمة أو "الأزمات" ازدادت الحالة تفاقماً وكأنّ ما يقال يختلف عمّا يحصل في الواقع أو كأنّ ما يُكتب عن الأزمة لا يزيدها إلا "تأزّماً". وإذ يشكو الناشر العربي من هموم لا تُحصى ومنها مثلاً الرقابة، القرصنة، الغلاء، انتفاء الدعم الرسميّ، ضيق الأسواق، سيطرة الثقافة الاستهلاكية... يشكو الكاتب بدوره من شجون حقيقية وأوّلها ضياع حقوقه وثانيها عدم تقدير الجهود التي يبذلها وعدم احترام رسوليّته وكذلك خضوعه لذائقة الناشر أو نزعته التجارية. أمّا القارىء فهو يكاد يكون غائباً بحسب ما يزعم الناشر والكاتب في معظم الأحيان. وهو في أفضل أحواله قارىء شبه مجهول لم يستطع الناشر أن يدرك تماماً ذائقته المتقلّبة ولا ميوله الثقافية ولا استطاع الكاتب بدوره أن يتعرّف اليه كما ينبغي أو على غرار ما يحصل في الغرب مثلاً بين الكاتب والقارىء. ولعلّ الأرقام التي "تفصح" عنها بعض الإحصاءات عن القارىء العربي وعن الإصدارات العربية وسواها تحتاج الى الدقّة والموضوعية. فإن يعلن أحد الإحصاءات مثلاً أنّ معدّل القراءة في "حياة" المواطن العربيّ لا يتجاوز نصف الساعة في السنة هو أمر يصعب تصديقه لا لعدم صحّته وإنما تبعاً لطابعه التعميمي وغير العلمي. وكذلك القول إنّ مئتي مليون عربي لا يستوعبون أكثر من تسعة آلاف عنوان في السنة فيما شعوب أقل كثيراً من العرب أو أوطان تستهلك أضعاف ما يقرأه العرب جميعاً. غير أن "حال" الكتاب العربي لا تدعو الى التفاؤل على الرغم من "ازدهار" معارض الكتب واستحالتها مواسم أو مهرجانات سنويّة أو أسواقاً تُطرح فيها "البضاعة" الكاسدة مثلما تُقدّم فيها العناوين الجديدة. ويحتاج الكتاب تأليفاً ونشراً وتوزيعاً وقراءة أيضاً الى اعادة نظر جذرية وشاملة تتخطّى البيانات أو التصريحات أو أوراق النعي وتبحث عن حلول حقيقية للأزمة التي يشارك في صنعها الناشر والكاتب والقارىء والأنظمة والدول ووزارات التربية والثقافة... صحيح أنّ الكتاب لم يبق قادراً على إغراء "المواطن" وكذلك الطالب وعلى مواجهة "الإغراءات" الأخرى التي تقدّمها "ثقافة الاستهلاك" أو "حضارة اللهو والمتعة" وهما تضمّان في ما تضمّان الرياضة والفيديو الكليب والبرامج التلفزيونية والألعاب الإلكترونية والأساليب الحديثة في التواصل... وصحيح أن عادة "التنقل" القراءة باتت أقل فتنة وجاذبية من "عادة" المشاهدة التلفزيونية مثلاً أو "عادة" الجلوس أمام "الأنترنت"... إلا أنّ الكتاب يظلّ في الختام سرّاً من أسرار الكائن والوجود معاً. فهو ليس مجرّد "منتوج" صناعي ولا مجرّد "مادة" استهلاكية أو وسيلة معرفية... وهو ليس أيضاً مجرّد صفحات تُقرأ وتطوى أو مجرّد مجلّد يرمى على الرفوف. ومهما جرى الكلام عن موت "الكتاب" وانحساره أو تراجعه وعن أفول نجمه فهو سيظلّ حياً ما دام الإنسان يتألم ويفرح ويعاني ويتأمّل ويفكر ويحلم... وان لم يكن "المواطن" العربي قادراً على شراء ما يطمح إليه من كتب فهل سيكون قادراً على اقتناء الكتاب الإلكتروني أو الأنترنت بسهولة؟ ان بعض أزمة الكتاب اقتصادي صرف وبعضها يعود الى حركة النشر نفسها والى ما تواجه من صعوبات وعوائق كالرقابة "المتفاقمة" في بعض الدول وخصوصاً على الكتاب وليس على الفضائيات مثلاً والقرصنة والتوزيع وغياب النشر المشترك. قيل الكثير في أزمة الكتاب وكتب الكثير عنها لكن الأزمة ما برحت قائمة وربّما هي الى مزيد من التأزم والتفاقم. هذه الأزمة في أبعادها المختلفة يتحدث عنها ناشرون من عواصم عربية عدة وهم يجتمعون عادة في المعارض أو تحت سقف اتحاد الناشرين العرب.