هل هناك علاقة ما بين فشل عبدالناصر وأنطوني ايدن في الوصول الى تفاهم خلال مأدبة عشاء أقيمت في دارة السفير البريطاني في القاهرة أواخر شهر شباط فبراير 1955، وبين الهجوم المباغت والعنيف الذي شنته القوات الإسرائيلية على غزة يوم 28 من ذلك الشهر. بالطبع لا يمكن أن تكون هناك علاقة واضحة، حتى وان كان أنطوني ايدن، وزير الخارجية البريطاني آنذاك، أبدى قدراً كبيراً من الاستياء بسبب فشله في اقناع عبدالناصر بالانضمام الى حلف بغداد، كما أبدى قدراً كبيراً من القلق إذ رأى بأم عينيه، في القاهرة، كيف أن مصر باتت تتأرجح في ارتباطاتها بين واشنطن وموسكو، معتبرة العلاقات "المميزة" مع لندن جزءاً من ماضٍ يليق بالمناطق. ومع هذا كان لافتاً أن يشن الإسرائيليون هجومهم بعد يومين فقط من فشل اللقاء البريطاني/ المصري، وفي حقبة راح فيها التوتر بين لندنوالقاهرة يشتد. الهجوم، الذي فاجأ العالم كله يومها، كما فاجأ مصر، ثم بناء على تصور وضعه الجنرال موشي دايان، قائد القوات المسلحة الاسرائيلية، ونفذته وحدة مظليين يقودها الضابط آرييل شارون، الذي سيقود بعد ذلك بنحو ثلاثة عقود القوات الإسرائيلية التي غزت لبنان وتسببت في حدوث مجزرة صبرا وشاتيلا. غير ان الهجوم، الذي توقعت منه السلطات الإسرائيلية أن يسفر عن نتائج ضخمة تردع المصريين عن مواصلة تشجيع العمل الفدائي، لم يسفر إلا عن سقوط عدد محدود من الضحايا. أما نتيجته السياسية المباشرة فقد ارتدت ضد اسرائيل، الى درجة أنها أثارت انقساماً في الصف الحكومي. شن الهجوم على قاعدة عسكرية مصرية، وكان الإسرائيليون يعتمدون عامل المباغتة، من هنا لم يكونوا ليتصوروا أن تكون المقاومة المصرية بالعنف الذي كانت عليه، حيث بدا واضحاً أن المصريين كانوا على علم مسبق بالهجوم. المهم أن العملية أسفرت عن سقوط 37 قتيلاً مصرياً و28 جريحاً، فيما فقد الإسرائيليون ثمانية قتلى وسقط لهم مثل ذلك العدد من الجرحى. وكان سقوط هؤلاء يعتبر، في حينه، كارثة على اسرائيل. مهما يكن الأمر فإن المبادرة جاءت يومها من قبل ديفيد بن غوريون الذي كان وزيراً للدفاع في حكومة موشى شاريت. واعتبر قيام العملية انتصاراً لبن غوريون، الذي كان يدعو الى التشدد مع العرب ضد موشى شاريت الذي كان، في ذلك الحين، يسعى الى الوصول الى نوع من التفاوض السلمي مع العرب. وبدا واضحاً للمراقبين يومها أن العملية كلها إنما قامت لإجهاض مبادرة كان شاريت يعتزم القيام بها. أما بالنسبة الى الذريعة - واسرائيل كانت ولا تزال تبحث دائماً عن ذريعة قبل قيامها بعملياتها الضخمة - فإنها تمثلت في مقتل اسرائيلي قبل الهجوم بيومين بأيدي فدائيين كانوا ينشطون في قطاع غزة. بقي أن نذكر ما قاله المراقبون يومها من أنه، لئن كان عبدالناصر أبدى بعض التردد في السابق أمام ازدياد الأعمال الفدائية، وفي دعمه للمقاومة التي كانت بدأت تنظم صفوفها، فإنه بعد الهجوم الإسرائيلي لم يعد قادراً على ابداء أي تردد، في مواجهة رأي عام مصري يزداد عداؤه لإسرائيل يوماً بعد يوم، وكذلك في مواجهة الضغط الذي كان يقوم به الطلاب الفلسطينيون في القاهرة، الذين كان يضمهم اتحاد قوي يرأسه شاب دينامي نشيط ومناضل سيعرف لاحقاً بإسم ياسر عرفات. الصورة: بن غوريون، هجوم ضد مصر لعرقلة جهود موشى شاريت.