دولتان غربيتان، على الأقل، كانت التغييرات الحكومية فيهما، خلال النصف الأول من القرن العشرين، تعني العديد من العواصم العربية. كان ذلك، بالطبع، في الوقت الذي كانت فيه هاتان الدولتان تستعمران بلدان تلك العواصم، تحت اسم "الانتداب". والدولتان هما بريطانياوفرنسا. فالحال ان التنظيمات الحزبية والأهلية والقوى المعنية بالاستقلال العربي كانت تحاول، على الدوام، أن تتلمس في أدنى تغيير حكومي في لندن أو في باريس، وأكثر من ذلك في تغيير فكر الحكم بين يسار ويمين، امكانية فتح ثقب في جدار الانتداب والحصول على كل، أو بعض، المطالب الاستقلالية. وهكذا عاشت الحركات الوطنية، في سورية كما في لبنان، في القاهرة كما في بغداد وعمّان، على إيقاع التتالي الحكومي في بريطانيا وفي فرنسا. ولكن منذ الأعوام التي تلت الحرب العالمية الثانية، تضاءل ذلك كله، خصوصاً وأن الدولتين الاستعماريتين العتيقتين رحلتا - بشكل أو بآخر - عن البلدان العربية المعنية، وحل بدلا عن وجودهما فيها، صراع تنافسي بين القوتين الصاعدتين - المتصارعتين: الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي. غير أن هذا لم يمنع العرب جميعاً من الاهتمام - وبشكل استثنائي - بتغيير حكومي جرى في لندن، في مثل هذا اليوم من العام 1957، وأسفر عن تبديل رئيس حكومة يميني محافظ ب... رئيس حكومة يميني محافظ. اذا، للوهلة الأولى ما كان لمثل ذلك التبديل أن يثير اهتمام العرب، ولكن حين نعلم أن الرئيس الخارج من الحكم كان يدعى انطوني ايدن، ومن دون أدنى اهتمام بالرئيس الآتي الذي كان يدعى هارولد ماكميلان، يمكننا أن نفهم سرّ الاهتمام العربي. فالحال أن اسم انطوني ايدن ارتبط، في الذهن العربي العام، بما سمي في ذلك الحين "العدوان الثلاثي" على الأمة العربية، أي ب "حملة السويس" التي شنتها على مصر قوى دول استعمارية ثلاث هي بريطانياوفرنسا واسرائيل، وما كان يمكن لها أن تنتهي لولا تدخل واشنطن وموسكو مجتمعتين لرد المعتدين وتمكين مصر - والعرب من ورائها - من تحقيق انتصار سياسي، عوّض - معنوياً - على الهزيمة العسكرية. يومها تركز الغضب العربي العام على إيدن، اضافة الى الفرنسي غي موليه، علماً بأن كراهية الزعامات الاسرائيلية كانت من باب تحصيل الحاصل. من هنا حين انتهى إيدن سياسياً في اليوم التاسع من كانون الثاني يناير 1957، وانتهى عهد حكومته، ليشكل محازبه هارولد ماكميلان حكومة جديدة، اعتبرت الأوساط العربية "هزيمة ايدن انتصاراً كبيراً للعرب" ورأت انه "بذلك يكون قد عوقب على تجبره وعدوانيته"، وكان ذلك - بالطبع - قبل أن يتنبهوا لاحقاً الى أن ماكميلان لا يقل عنه "تجبراً وعدوانية" وأن المسألة ليست مسألة أشخاص، بل سياسة دول لا يغير منها كثيراً مجيء الأشخاص أو ذهابهم. في الصورة: انطوني إيدن إذا، بالنسبة الى العرب كان خروج انطوني إيدن من الحكم عقاباً له على "العدوان الثلاثي" أما بالنسبة الى لندن، فإن السبب الرسمي الذي أعلن كان "سوء حالة رئيس الحكومة الصحية". وكان واضحاً على أي حال، بعد أسابيع من فشل العدوان، أن هذا الفشل هو الذي وضع - حقاً - نهاية - لحياة انطوني ايدن السياسية. ولئن كانت استقالة ايدن قد اعلنت صباح التاسع من كانون الثاني فإن تكليف ماكميلان بتشكيل الحكومة الجديدة اعلن بعد ظهر اليوم التالي. ومن الجدير بالذكر ان بريطانيا السياسية عاشت بين الموعدين مأساة سياسية كادت تعصف بحزب المحافظين، حيث أن الملكة كانت تود أولاً تكليف الوزير بطلر نائب انطوني ايدن بتشكيل الحكومة الجديدة، وكانت استشارت السير ونستون تشرشل في ذلك. غير أن قيادات المحافظين نبهت الملكة الى أن تكليف بطلر قد يشق الحزب ويمزقه، لأن بطلر لم يكن من كبار المؤيدين لشن الحرب ضد مصر، ومن هنا فإن تكليفه كان من شأنه أن يعطي دلالات سياسية مناهضة للسياسة الانكليزية العامة التي كانت، في ذلك الحين على الأقل، تريد الايحاء بأنها ليست نادمة على شن الهجوم. بطلر، على أية حال، أبدى ترحيبه بتكليف ماكميلان ووعد بمساندته. أما المعارضة العمالية فانها دعت الى انتخابات عامة مسبقة طالما ان "تعيين ماكميلان لا يعني أبداً تراجع بريطانيا الرسمية عن سياساتها المخطئة". ماكميلان رفض من فوره تلك الانتخابات، وقال ان ما يهمه في هذه اللحظة، انما هو العمل على تسوية العلاقات، التي بدت متأزمة من جراء حملة السويس، بين واشنطنولندن. أما انطوني ايدن، فكان ذلك اليوم هو الخاتمة الفعلية لحياته السياسية.