تشي الأيام القليلة القادمة بهزة عنيفة في معظم مؤسسات الإعلام الأردني القوية، مثل وزارة الإعلام والصحيفة الأردنية الأولى "الرأي" وصحيفة "العرب اليوم"، رابعة الصحف اليومية العربية في الأردن. التوقعات تشير الى تغييرات جذرية في نظرة الحكومة الى الوسائل الإعلامية التي تتفاعل في محيط الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي والديموقراطي الذي يبديه الأردن تجاه مستقبله مع الدول العربية والعالم، وبرغم ذلك، فإن الخبراء في هذا المجال، أكدوا، ان "التغيير الحكومي" في مجالس ادارات ورئاسة الصحف الكبرى، تنجم عنه قراءات مختلفة لتقييم الوضع الذي ستؤول اليه الطموحات الإعلامية الأردنية، خاصة تلك التي جاءت عبر إقرار "قانون المنطقة الإعلامية الأردنية الحرة" وهي التي دعا اليها الملك عبدالله الثاني في محاولة لاستقطاب الاستثمارات العربية والدولية في هذا المجال. إلا أن الأمر، يبدو مقلقاً بسبب ما سيحدث، من تدخل الحكومة المباشر في تحديد شخصية رئيس مجلس ادارة المؤسسة الصحافية الأردنية "الرأي" الحالي الذي - يبدو مما يجري في الخفاء - انه سيجبر على تقديم استقالته بعد أقل من ثمانية أشهر على توليه هذا المنصب المهم في الأردن، كون "صحيفة الرأي" تعمل على تشكيل، ما لا يقل عن 25 في المئة من اتجاهات الرأي العام داخل الأردن. كذلك أعلن في عمان عن خروج الصحافي الطبيب رياض الحروب من رئاسة ادارة وتحرير صحيفة "العرب اليوم" والمطبوعة الاجتماعية الاسبوعية "شيحان" التي تصدر عن الدار الوطنية للإعلام و"الطباعون العرب". ولا ينفصل ما يجري عن أجواء التوتر ما بين الوسط الإعلامي في الأردن والحكومة الأردنية. لكن مع استمرار التدخل الحكومي في وسائل الإعلام، حدثت خلال الأشهر الأخيرة عدة تنقلات شكلية بين الدوائر الاعلامية العامة والخاصة، مثل وكالة الأنباء الأردنية "بترا" ودائرة المطبوعات والنشر ومؤسسة الاذاعة والتلفزيون، وأخيراً مطاليب ربما أخطر تتصل بقيادة صحيفة "الرأي" كونها باتت مثل أي حقيبة وزارية في أجندة الحكومة، تتناقلها الحكومات بسبب ما لها فيها من أسهم - تزيد عن 60 في المئة. وهذا الموضوع سبقت إثارته من قبل العديد من النقابات والهيئات النيابية والدولية لحقوق الانسان والحريات الصحافية - الإعلامية، حيث وجهت جملة انتقادات للحكومات الأردنية المتتالية جراء اصرارها وهيمنتها على الصحافة اليومية من خلال اشتراكها في ملكية صحيفتي "الرأي" و"الدستور" ورفضها بيع اسهمها في هاتين الصحيفتين للقطاع الخاص، أو إعادة بيع الأسهم الى نفس المؤسسات المالكة للصحف. لقد بات مثل هذا التدخل "مبرراً" في ظل الأحكام العرفية، قبل عودة الحياة الديموقراطية والانتخابات البرلمانية التي عززت ثقة الشعب بالنظام والحكومات، وحرص القيادة الهاشمية على استمرار هذا النهج، لضمان أردن قوي في مواجهة المستقبل. وكان مطلب الصحف، والأجهزة الإعلامية، الخلاص من "الكوتا" المخصصة بالاسم/ أو على نسب الأسهم التي فرضت عليها إبان حكومة زيد الرفاعي في أواسط الثمانينات. هذا التحرك الرسمي تجاه اجراء "الهزة" في وسائل الاعلام، أعاد الى الأذهان كل ما قيل حول جدوى وجود الانفتاح الرسمي والشعبي مع الاعلام، خاصة بعد تفكير عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني بوجود المنطقة الاعلامية، كجس نبض لدور الاعلام في التنمية والاستثمارات الوافدة وتحريك المحلي منها، بل تحريضه على المشاركة في ذلك، ضمن أجواء من الحرية والعمل دون خوف أو رقابة، إيماناً بدور الأردن الذي يلعبه ايجابياً في واقع مستقبل البلاد العربية ودول المنطقة والعالم. وكان الملك عبدالله قد أشار في توصيات "الملتقى الوطني في خلوة البحر الميت" الى ضرورة اختيار الادارات العليا في الشركات التي تساهم فيها الحكومة بأسلوب يضمن اختيار الأفضل. ومع ذلك فالجهاز الاعلامي، بات اليوم مؤشراً يؤدي، بمن يقرأه الى "الخلاص" من فكرة العمل في هذا المجال، سواء مع/أو ضمن أي مؤسسة أو منطقة حرة، تحسباً من النتائج البيروقراطية وانعكاساتها على الاستثمار والمستوى. وهناك خوف "أكيد" على مستقبل المؤسسات الاعلامية الأردنية، الخاصة، أو الحكومية، نتيجة عدم استقرار الادارات والمشاريع، ونسف الأفكار ما بين محطة حكومية أو وزارية وأخرى، مما دعا عدداً من كبار العاملين في قطاع الاعلام الى المبادرة والدعوة الى اخراج مشروعات ذات صفة قانونية تكفل مطلق الحرية للاعلام ولنتائج العمل به أو من خلاله، ليس على مستوى مجالس أو هيئات، بل كقرارات تحمي العمل بأطر قانونية مؤسسية متناسبة مع ما يحدث في عالمنا المعاصر.