نتنياهو: قوات إسرائيل باقية في لبنان لما بعد انتهاء مهلة الانسحاب    الجبير يُشارك في جلسة حوارية في منتدى دافوس بعنوان «حماية البيئة لحفظ الأمن»    «سلمان للإغاثة» يوزع مستلزمات تعليمية متنوعة لدعم مدارس محو الأمية ومراكز ذوي الإعاقة في اليمن    40 ألف ريال تكاليف ليلة الحناء    ترمب يلغي الحماية الأمنية عن فاوتشي: «ليحمي نفسه»    الخطيب: «السياحة قوة تحويلية للاقتصاد»    السعودية تعلن استضافة اجتماع عالمي دوري للمنتدى الاقتصادي العالمي    بوتين: مستعد للتفاوض مع ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي رئيس البرلمان التايلندي    بدء ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من أمريكا    آل سمره يقدمون شكرهم لأمير نجران على تعازيه في والدهم    من بلاطة متصدعة إلى أزمة بناء.. هل الكفاءة الوطنية هي الحل    الجوف: القبض على شخصين لترويجهما أقراصا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    القصيبي مسيرة عطاء    القيادة وجدارية المؤسسات    الوقاية الفكرية درع حصين لحماية العقول    عبد العزيز بن سعد يشكر القيادة لتمديد خدمته أميراً لحائل    قائد الإدارة الجديدة في سوريا يستقبل وزير الخارجية فيصل بن فرحان    أكثر من 20 ألف جولة رقابية تنفذها بلدية محافظة الأسياح لعام 2024م    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الإساءة إلى جيرانكم وأحسنوا لهم    ماذا يحدث في اليوم السابع من هدنة غزة؟    سدايا تمنح شهادة اعتماد لمقدمي خدمات الذكاء الاصطناعي    "ليلة فنانة العرب أحلام: احتفاء بالألبوم الجديد ضمن فعاليات موسم الرياض"    بعد الهدوء الهش في غزة.. الضفة الغربية على حافة الانفجار    خطيب المسجد الحرام: حسن الظن بالله عبادة عظيمة    أمير الباحة يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته أميراً للمنطقة    إحباط محاولة تهريب أكثر من 1.4 مليون حبة كبتاجون عبر ميناء جدة الإسلامي    الذهب يسجل أعلى مستوى في 3 أشهر مع ضعف الدولار وعدم وضوح الرسوم    "المركزي الروسي" يخفض سعر صرف الروبل أمام العملات الرئيسية    قاضٍ أمريكي يوقف قرار تقييد منح الجنسية بالولادة    انطلاق ثاني جولات بطولة "دريفت 25" الدولية لقفز الحواجز في تريو الرياضي بجدة    أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    من التمريرات إلى الأرباح    المشي حافياً في المنزل ضار للقدمين    العمل المكتبي يُبطئ الحركة ويزيد الأرق    عقل غير هادئ.. رحلة في أعماق الألم    سلمان الشبيب.. من ضفاف الترجمة لصناعة النشر    %2 نموا بمؤشر التوظيف في المملكة    الأخضر تحت 16 يفتتح معسكره الإعدادي في جدة بمشاركة "27" لاعباً    400 مشارك في جائزة "تمكين الأيتام "    "خالد بن سلطان الفيصل" يشارك في رالي حائل 2025    كل التساؤلات تستهدف الهلال!    رحلة نفسيّة في السفر الجوّي    أعطته (كليتها) فتزوج صديقتها !    أمانة جدة تضبط 3 أطنان من التبغ و2200 منتج منتهي الصلاحية    الثنائية تطاردنا    تاريخ محفوظ لوطن محظوظ برجاله..    تمديد فترة استقبال المشاركات في معسكر الابتكار الإعلامي «Saudi MIB» حتى 1 فبراير 2025    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة فيفا    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيس منغوليا في وفاة الرئيس السابق    فعالية "اِلتِقاء" تعود بنسختها الثانية لتعزيز التبادل الثقافي بين المملكة والبرازيل    إنجازات سعود الطبية في علاج السكتة الدماغية خلال 2024    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين ك"منظمة إرهابية أجنبية"    السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة    وصية المؤسس لولي عهده    القيادة تعزي الرئيس التركي في ضحايا حريق منتجع بولو    ندوة الإرجاف    سليمان المنديل.. أخ عزيز فقدناه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تهميش المسألة السورية: دروس التاريخ وراهنية الواقع
نشر في الحياة يوم 23 - 02 - 2000

الكتاب: سورية بلاد الشام - دراسة وملف وثائقي حول اتفاقات سايكس - بيكو
المؤلف: الدكتور جوزيف حجار
الناشر:دار طلاس - دمشق 1999
من المؤكد ان "التاريخ" لا يمكن استحضاره، فعلاً، الا اذا تمتع بأبعاد راهنية، اي بقدرته على تلمّس ذاته في طيوف معاصرة، ربما تكون نسخاً مكررة لذاتها على امتداد زمني يشكل عمرها ويرسّخ "اصلها" باعتباره "العلّة" المؤسسة والقابلة للاستمرار.
وعلى ذلك يتناول الدكتور جوزيف حجّار اتفاقات سايكس - بيكو، انطلاقاً من كونها الاطار الذي ابتكر وصاغ الوجود الراهن لسورية بلاد الشام، على نحو نقلها من بلاد واحدة موحّدة الى بلاد مجزأة مقسّمة الى كيانات مع اصطناع كيان يهودي اسرائيل في جنوبها فلسطين وهو في الحالات كلها كيان غريب وشاذ ومضاد لها في ثقافتها العامة وروحها فضلاً عن وجودها.
ويتبدى البعد الراهني للكتاب من السطور الاولى لمقدمته، عندما يماثل المؤلف بين المشهد الدولي الذي تأسس في مؤتمر مدريد للسلام 1991، وبين المشهد الدولي الذي ارتسم خلال وبعيد الحرب العالمية الاولى 1914 - 1918.
وهذه المماثلة ليست شكلية في اية حالة، بل انها تحريضية للتأكيد بأن المشهد الاول الراهني انما هو نتيجة للاول التاريخي الذي يبقى "اصل الازمات المزمنة التي يعاني منها مشرقنا العربي، لا بل العالم العربي بأسره في وجوده المضطرب وفي نموه الهشّ". وما ينكشف عليه المشهد الراهن من اختلال في ميزان القوة مع "اسرائيل" انما يؤكد على نحو واضح ان اتفاقات سايكس - بيكو "لم تفقد بعد طبيعة اهدافها مع زوال حكم انتداب الدول الاستعمارية التي ابرمتها ونفّذت موادها. فهذه الاتفاقات ما زالت قائمة في مضمونها وفي ابعادها".
ومن هنا يقودنا "الراهن" تجاه "التاريخي" الذي لا بد ان يكون مستمراً على نحو يجعل هذه المسيرة قابلة للانتاج النظري. على ان هذا الانتاج النظري اصبح معتاداً ومألوفاً في المرحلة الراهنة، حيث امتلأت مكتبتنا بأبحاث تؤسس نفسها على "ابعاد تاريخية" في مناقشة الراهن وتحدياته وتفكيك مشهده المعقّد. وربما يذهب بعض من هذه الابحاث الى المرحلة التي يبدو فيها استحضار التاريخ مصطنعاً ومفتعلاً على نحو يسمها بالابحاث الدعائية التي لا تخلو نهائياً من الحقائق، ولكنها تؤسس لخطاب تلفيقي قائم على هذه الحقائق ومستند اليها.
غير ان الدكتور حجّار واحترازاً منه من الوقوع في فلك هذا الخطاب ومجاله، يعتبر انه يتميز عن الآخرين بوصوله الى الوثائق الاصلية كاملة غير مكتفٍ بتلك الخاصة بالمراسلات العربية البريطانية. وهكذا شكّل ارشيف وزارة الخارجية الفرنسية المصدر الرئيسي للبحث، الذي قارنه المؤلف مع ما توافر في ارشيف الخارجية البريطانية ليكتشف ان المصادر الفرنسية تحتوي على وثائق فريدة من نوعها وغنية في موادها… الامر الذي اتاح له رؤية صورة تكاد تكون كاملة لعناصر المباحثات بين فرنسا وبريطانيا، ولمراحلها التاريخية وخواتيمها.
وهكذا اعتبر المؤلف طريقه في البحث آمناً وفريداً وخاصاً، وقابلاً للوصول الى محطات او استنتاجات موثوقة وموثّقة، اي مستندة الى "الوثيقة التاريخية" باعتبارها المصدر الذي لا شك في صحة مضمونه، ومستولدة لخلاصات تشكل الملامح العامة للمرحلة التاريخية مدار البحث. الا ان الدقة الوثائقية لا تبدو الصفة الغالبة في منهج البحث ومميزة له على نحو اطلاقي، بل ان امتداد الاطار التاريخي - الزمني ابتداءً من القرن السابع عشر، وصولاً الى نهاية القرن العشرين، يبدو الميزة الاكثر بروزاً او اهمية في البحث. فلم تعد اتفاقات سايكس - بيكو والحالة هذه مجرد حادث محدود، بل حادث مندرج في مسار التاريخ ومسيرته.
يتألف الكتاب من قسمين: اولهما يستند الى ثانيهما الذي يتشكل من مجموعة وثائق تاريخية خاصة باتفاقات سايكس - بيكو، وعائدة الى محفوظات وزارة الخارجية الفرنسية. واشهر هذه الوثائق تلك الرسائل المتبادلة بين رئيس الوزارة الفرنسية بريان والسفير الفرنسي في لندن بول كامبون، فضلاً عن المذكرة التي وقعت في 4 كانون الثاني يناير 1916 من قبل المفاوضين جورج بيكو ومارك سايكس وشكّلت النسخة الاولى للاتفاقات اللاحقة بينهما والتي وضعت في 9 و15 و18 ايار مايو 1916.
كما يضم هذا القسم رسائل متبادلة بين كامبون والوزير الفرنسي بيشون، واخرى بين هذا الاخير وجورج بيكو، فضلاً عن وثائق اخرى عدة.
اما القسم الاول من الكتاب فهو دراسة تناولت جذور الاتفاقات ومضمونها وابعادها.
يوجز المؤلف الجذور التاريخية للاتفاقات في مراحل اربع: الاولى تبدأ من توقف الزحف العثماني في قلب اوروبا بعد رفع الحصار عن فيينا في 12 ايلول سبتمبر 1683، ما سيؤدي لاحقاً الى تحرير بلغراد العام 1718، وبالتالي تبدّل ميزان القوى، ودخول المسألة الشرقية في اطار مسار التاريخ الاوروبي ومجاله على نحو واضح، والثانية تبدأ مع الانحسار العثماني المتصل بعملية التوسع الروسي تجاه جنوب وشرق اوروبا ونحو اقاليم آسيا 1722 - 1779، والثالثة هي مرحلة الثورات والحروب النابوليونية الكبرى والاصلاحات العميقة في اوروبا 1790 - 1840. والرابعة والاخيرة تبدأ مع أفول شخصية محمد علي في مصر وصولاً الى بداية الحرب العالمية الاولى العام 1914. ومن الواضح ان المؤلف يعتمد في هذا التقسيم على كتابه الموسوعي الضخم الصادر باللغة الفرنسية تحت عنوان: L'EUROPE ET Les destine'e du Proche-Orient "اوروبا ومصير الشرق الادنى".
على ان هذه الجذور التاريخية تجد اولى نتائجها المباشرة على صعيد الاتفاقات في ما يسميه الكاتب بالمبادرة الفرنسية العام 1915 المتمثلة باتجاه رؤية رئيس الوزارة بريان، الذي وجد ان الوضع يتطلب بحثاً وعملاً مشتركاً مع بريطانيا لتأمين المصالح الفرنسية في البلاد السورية خصوصاً والمشرق عموماً. وهكذا تؤرخ هذه المبادرة للبداية الحقيقية لقصة اتفاقات سايكس - بيكو. وفي الوقت الذي بدأت فرنسا مبادرتها مستندة الى هدف مبدأي وهو الحفاظ على وحدة البلاد السورية كاملة La Syrie inte'grale، الا ان هذا الهدف سرعان ما خضع لمبدأ المساومة مع بريطانيا وصولاً الى تحول الرؤية الفرنسية تجاه التطابق مع الرؤية البريطانية والاستسلام لها فعلياً، بما أدى الى ادراج القضية السورية ضمن اطار القضية العربية العامة "فارتبط المسير السوري الفرنسي الخاص بالمصير العربي البريطاني المتشعب النواحي".
وهكذا انتفت المركزية السورية وانقلبت المعادلة التاريخية، حيث كان مصير الاقاليم العربية البعيدة والهامشية يتبع مصير الاقاليم السورية، باعتبار المسألة السورية تشكل جوهر المسألة الشرقية. وفي استقراء راهن يقول المؤلف ان هذا "التحول النوعي في طبيعته الجيوستراتيجية وفي الظروف التاريخية الراهنة هو الذي تتم فيه انعكاسات ومضاعفات في المسار التاريخي الجديد".
ثم يستعرض المؤلف مراحل المفاوضات والمنهاج الذي ارتكزت اليه، وصولاً الى اطلاع روسيا عليها ابتداء من آذار مارس 1916 الى توقيع الاتفاقات الثنائية الروسية - الفرنسية، والروسية - الانكليزية، ومن ثم التوقيع على النسخة الاخيرة لاتفاقات سايكس - بيكو في 18 ايار 1916، وفي معرض استنتاجه للابعاد الناتجة من هذه الاتفاقات يعتبر المؤلف ان ثمة ابعاداً رئيسية، تبتدئ بكونها تشكل "اصلاً" لمصير المشرق العربي الراهن، وتتصل مباشرة بالفكر السياسي الامبريالي، وبالممارسات الخبيثة لبريطانيا من خلال اتصالها بالشريف حسين بما جعل الفرنسيين يصفونها بالماكرة La Perfide Albian، وكان ان عطّل الشريف حسين سير احد تيارات التاريخ الجامحة، باستخفافه او بجهله للتعامل الرصين المسؤول. ويصل المؤلف الى القول ان الثورة العربية الكبرى اصبحت آليتها شبيهة بحصان طراودة الذي مكّن فرنسا وبريطانيا من غزو بلاد الشام وتمزيقها، بما ادى الى محو الذاتية الوطنية السورية اسماً وفعلاً وواقعاً، فتم القضاء على جوهر المسألة السورية التي تم تهميشها والعمل على نسف خصوصيتها واهميتها التاريخية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.