أرسلت الاطراف المشاركة في العملية السلمية رسائل سياسية وغير سياسية تحض على العودة الى طاولة المفاوضات بشروط جديدة. أبرز هذه الرسائل كانت رسالة اسرائيل، التي جاءت ردا على ما اعتبرته رسائل لبنانية - سورية، وتُرجمت الى غارات همجية على المنشآت المدنية اللبنانية، على اعتبار ان ضربة حزب الله الاخيرة أشبه بطرد مفخخ منه دعوة الى التفاوض. وأرسل الرئيس ياسر عرفات، من جانبه، رسالة لرئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود باراك مفادها ان للفلسطينيين خيار مقاومة اسلاميا، وذلك عندما أطلق الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي، أحد قادة "حركة المقاومة الاسلامية" حماس. واشنطن أيضا بعثت برسالة لسورية تؤكد دعم موقف اسرائىل في لبنان، وأخرى لباراك تحضه فيها على الاسراع في اتخاذ القرارات الصعبة في الجولان. أما رسالة لبنان الموجهة للمجتمع الدولي فأرجعت الى صاحبها حاملة عبارة: "العنوان خطأ". الصحف الاسرائىلية التي تحدثت بصورة غير مباشرة عن مغزى الرسائل، لم تتطرق في صفحاتها الاولى امس الى 13 شباط فبراير، موعد التوصل الى اتفاق - اطار بين اسرائيل والفلسطينيين. وعلى ما يبدو فان باراك لم يأخذ كعادته رسالة عرفات بجدية، معتبرا ان رسالة السوريين اوضح، خصوصا انها دخلت الى كل بيت في اسرائيل. وبقي على عرفات ان يبرهن على جدية رسائله! لكن الصحف الصادرة في فلسطين لم تتطرق أيضا الى هذا الموعد في صفحاتها الاولى، معطية الاولوية للموضوع اللبناني - الاسرائىلي. ويرى الفلسطينيون انه بغض النظر عن اتفاق الاطار، فإن هنالك قضايا لا بد من البدء في التفاوض عليها. الا ان باراك، الذي أصدر فتوى لتأجيل الاتفاق مع الفلسطينيين الى ست او تسعة أشهر أي عشية الانتخابات الاميركية، يبدو مهيئا للرجوع الى طاولة المفاوضات الجدية مع السوريين وليس مع الفلسطينيين. ورغم وجود محاولات لتهيئة الاسرائىليين لفكرة الانسحاب من طرف واحد من لبنان، الا ان باراك ما يزال مصرا على تفويص سياسي وإعلامي من الاسرائيليين لوقف الضغط عليه للخروج من لبنان من خلال اعطائه مهلة شهرين او ثلاثة للتوصل الى اتفاق يضمن الأمن في حال الانسحاب. وهو الذي تصدى عام 1996 لاقتراح اليميني ارييل شارون والعمالي يوسي بيلين الانسحاب من طرف واحد من لبنان، كما كشف المعلق السياسي دان مرغليت في صحيفة "هآرتس". وهو بهذا المعنى يمثل موقف المؤسسة العسكرية التي ما تزال ترفض الانسحاب من طرف واحد باعتباره هزيمة، تماما كما يعكس مواقفها في جميع القضايا المطروحة على جدول الاعمال الامني الاسرائيلي. وكان رئىس الاركان الاسرائيلي شاؤول موفاز زف الاخبار السارة للاسرائيليين مطلع العام الحالي، معتبرا ان عدد القتلى الاسرائىليين في لبنان انخفض من 20 قتيلا عام 1998 الى 13 قتيلا عام 1999، وهو الامر الذي ساعد باراك على اتخاذ قراره بتحديد موعد لاتفاق الاطار مع الفلسطينيين وتسريع المفاوضات مع السوريين. لكن سرعان ما انقلبت المعادلة اللبنانية في الايام الاخيرة مع مقتل اول خمسة جنود بثت صورهم الحية على التلفزيون الاسرائيلي. خلطت الاوراق والاولويات في ظل الجمود على جميع المسارات وتصاعد عدد القتلى. وباراك الجنرال الذي يعرف جيدا مقدرة اسرائيل الهائلة على توجيه الضربات العسكرية، تعلم درسه السياسي الاول كرئيس للوزراء في شأن هشاشة المجتمع الاسرائيلي وضعفه امام الضربات الموجهة اليه. واذا سهلت المعارضة عليه وهو مسؤول عسكري، فان ادارة الازمة من موقع المسؤولية السياسية يحتم عليه موقفا اكثر نضجا وترويا. ولهذا فسيحاول اعادة الحرارة الى المسار السوري، في حين يبقي على المسار الفلسطيني على النار الخافتة ... هذا الى ان يتعلم باراك ان الجبهة الفلسطينية يمكن ان تسخن هي الاخرى كما سبق وتعلم الدرس سلفه بنيامين نتانياهو في مواجهات ايلول سبتمبر بعد اشهر قليلة من وصوله الى السلطة. حينها سيتعلم الدرس الاهم الذي لا بد من استيعابه، وهو ان هناك حدودا لاستعراض العضلات واللعب على المسارات.