نجحت الجهود الاميركية في تحديد موعد لعقد اجتماع للجنة المراقبة المنبثقة من تفاهم نيسان ابريل للبحث في خلفيات التصعيد العسكري الذي شهده لبنان في الايام الماضية، فيما ردّ عدد من المسؤولين اللبنانيين امس على تصريحات وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت التي حمّلت "حزب الله" مسؤولية التدهور العسكري راجع ص 3و4. وفي اعلان اعتبره مراقبون دليلاً الى تقدم الجهود من اجل احتواء التصعيد العسكري، قال الناطق باسم الخارجية الاميركية جيمس روبن امس ان لجنة المراقبة ستجتمع بعد دعوات عدة صدرت عن الولاياتالمتحدة وفرنسا وسورية، موضحاً "ان الامر يتعلق بتطور مهم في الجهود الرامية الى نزع فتيل الأزمة الحالية، يدل ايضاً الى اهمية التوصل الى خطة سلام شاملة في الشرق الاوسط". وصرح الناطق الرسمي باسم قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوبلبنان تيمور غوكسيل بأن القوات الدولية تبلغت رسمياً مساء من رئيس اللجنة الاميركي السفير ريتشارد ايردمن موعد اجتماع اللجنة العاشرة والنصف صباح اليوم في مقرها في الناقورة. وينتظر ان تشهد اجتماعات اللجنة خلافات واسعة على تحديد المسؤوليات عن العمليات العسكرية التي حصلت خصوصاً ان لبنان وسورية يعتبران أن "حزب الله" لم يخرق "تفاهم نيسان" ويتهمان وفرنسا اسرائيل بالخرق عمداً بقصفها ثلاث محطات كهرباء ستكلّف الخزينة اللبنانية بين 40 مليون دولار اميركي و50 مليوناً لإعادة تشغيلها. ويترقب لبنان موقف الولاياتالمتحدة التي ترأس اللجنة، حيال اي محاولة اسرائيلية لطرح تعديل منطق "التفاهم". وكان نائب وزير الدفاع الاسرائيلي افراييم سنيه دعا الى "توفير ضمانات سياسية لوقف هجمات المقاومين اللبنانيين ضد الجنود الاسرائيليين في الشريط الحدودي" المحتل. وقال: "ان تفاهم نيسان يعطي هؤلاء المقاومين ميزة تجعلهم قادرين على ضرب الجنود" وهو ما ترفضه تل أبيب. واعتبر "ان الضربة الجوية للبنان نجحت في تحقيق اهدافها وهي الرد القوي على انتهاكات حزب الله". وأشار الناطق باسم رئيس الحكومة الاسرائيلية غابي بركنسكي الى ان "الرسالة الاسرائيلية هي الرد الموجع في حال مواصلة المقاومة تصعيدها العسكري". وسئل هل تراجعت اسرائيل عن التفاهم، فأجاب: "ان التفاهم سارٍ ولكن من غير المجدي تأكيد التزامه فيما الطرف الآخر ينتهكه". وقد رفعت حال الطوارئ في شمال اسرائيل وسمح لسكانه بالخروج من الملاجئ. وأكدت دمشق ان "حزب الله" لم يخرق التفاهم في عملياته الاخيرة، مشيرة الى ان ايهود باراك اراد في عدوانه على لبنان "خلق وقائع جديدة على الارض ونسف عملية السلام". وقال مصدر اعلامي "ان المطلعين على جوهر تفاهم نيسان للعام 1996 يدركون جميعاً ان المقاومة لم تخرق التفاهم، فالعمليات التي نفذتها المقاومة جرت فوق الاراضي اللبنانية التي تحتلها اسرائيل وتناولت العناصر العسكرية التي تكرس الاحتلال وتحميه"، لافتاً الى ان القوات الاسرائيلية "كانت تقصف مدن الجنوب وبلداته وقراه وتخرق التفاهم" قبل مقتل عقل هاشم نائب اللواء انطوان لحد وثلاثة جنود اسرائيليين. وتزامنت الدعوة الى اجتماع لجنة المراقبة مع تصريحات لبنانية رسمية تنتقد تصريحات اولبرايت اول من امس التي حمّلت "حزب الله" مسؤولية التدهور وخرق التفاهم. وردّ رئيس الحكومة اللبنانية الدكتور سليم الحص عليها بأسلوب غير مباشر بقوله: "ان عدوان اسرائيل الاخير جاء خرقاً فاضحاً لتفاهم نيسان الذي يلتزمه لبنان، اذ عمدت الى قصف اهداف مدنية وأوقعت عدداً كبيراً من الاصابات في صفوف المدنيين وخسائر جسيمة في البنية التحتية". واضاف ان "من حق لبنان مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، فهذا امر مشروع تقرّه المواثيق والأعراف الدولية، واذا كانت اسرائيل حريصة على تفادي وقوع خسائر في صفوف قواتها المحتلة فما عليها إلا الانسحاب من الاراضي اللبنانية وفقاً لقرار مجلس الامن الرقم 425". وسأل الحص: "بأي حق تسمح اي دولة لنفسها بتوجيه رسائل الى دولة اخرى عن طريق تدمير البنية التحتية واستهداف الابرياء بمن فيهم الاطفال والنساء؟ فهل يجيز ذلك اي ميثاق او أي قانون دولي؟". ورأى ان "الولاياتالمتحدة التي تضطلع بمسؤوليات كبيرة، بحكم موقعها كقوة عظمى، لا يمكن إلا ان تقف الى جانب المظلوم ضد الظالم لا بل الى جانب الضحية ضد المعتدي. اننا نشارك السيدة اولبرايت الرأي في ان التصعيد الاخير يهدد مسار العملية السلمية، ونحن نحمّل اسرائيل مسؤولية التدهور الذي وقع، ونأمل بأن تستمر الولاياتالمتحدة في بذل مساعيها لإحلال السلام العادل والشامل في المنطقة". وتلقى لبنان رسالة تضامن من الرئيس جاك شيراك الى الرئيس اميل لحود السفير الفرنسي الجديد فيليب لوكورتييه. وفي حوار اجري مساء في نادي خريجي الجامعة الاميركية، رأى الحص "ان اسرائيل هدفت من اعتداءاتها الاخيرة الى الفصل بين المقاومة واللبنانيين وبين السلطة والمقاومة، إلا ان ذلك غير وارد. فمقاومة الاحتلال امر مشروع وهو ما ارغم اسرائيل على الاعتراف بالقرار الرقم 425 بعد تجاهله 22 عاماً، وعلى التحدث عن احتمال الانسحاب من لبنان". وقال: "ان من دوافع هذه الاعتداءات تغطية عجز اسرائيل عن متابعة عملية التسوية على المسار السوري نتيجة تعنّتها حيال قضية اساسية هي مبدأ الانسحاب الكامل من الجولان حتى حدود 4 حزيران يونيو 1967". وأضاف: "ان الأفق يحمل في طياته احتمالات التسوية لذلك نقول ان المقاومة اللبنانية هي آخر حرب بين العرب وإسرائيل". لكنه رأى "ان التعثر في التسوية حقيقي وليس عابراً فما زال الموقفان السوري والاسرائيلي على طرفي نقيض، ويبدو ان باراك لم يعد ربما في موقع يسمح له بأن يعطي ما هو مطلوب منه لمتابعة المسيرة، وإذا لم تنجز التسوية خلال شهرين او ثلاثة، فستؤجل الى ما بعد انتخابات الرئاسة الاميركية".