ردت الآراء التي طرحها الأصولي المصري هاني السباعي في "الحياة" أمس على تساؤلات ظلت تدور في أذهان كثيرين عن الأسباب التي دعت قادة "جماعة الجهاد" إلى الضغط على زعيم التنظيم الدكتور أيمن الظواهري حتى قدم استقالته وتنحى عن موقع القيادة. لكن ما صرح به السباعي أثار تساؤلات أخرى في شأن مستقبل التنظيم في المرحلة المقبلة، وأي طريق سيسلكه لتحقيق أهدافه في ضوء "عولمة أمنية" رأى السباعي نفسه أنها "لا ترحم"؟ ولعلها المرة الأولى التي يعترف فيها السباعي بما عاناه التنظيم بسبب "سياسات العنف"، خصوصاً انه واحد ممن تعتبرهم السلطات المصرية واجهزة أمنية في بلاد عدة، مسؤولين في مجلس شورى التنظيم الذي نفذ عناصره داخل مصر ثلاث عمليات لا تُنسى، بينها محاولتان لاغتيال وزير للداخلية ورئيس للوزراء، وأخرى جرت خارج الحدود بتفجير السفارة المصرية في باكستان. وعلى الرغم من أن السباعي رفض استخدام تعبير "العنف" وفضل استخدام مصطلح "العمليات العسكرية"، التي رأى أنها فرضت على عناصر التنظيم بفعل ما عانوه من إجراءات داخل مصر، لكن النتيجة واحدة سواء كان العنف فرض على التنظيم أم أقدم عليه طواعية. فالظواهري قرر السير في طريق "العمليات العسكرية"، مخالفاً بذلك استراتيجية الجماعة التي تستند، كما ذكر السباعي، الى "تغيير النظام عن طريق انقلاب عسكري". ورغم أن السباعي انتقد النداء السلمي الذي وجهه الاصولي المصري اسامة علي صديق المقيم في المانيا، إلا أنه لم يطرح بديلاً مقنعاً. فإذا كان العنف الذي أمر به الظواهري أضر التنظيم، وطالما أن التحالف الذي أقحم فيه الظواهري الجماعة مع اسامة بن لادن في إطار "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" التي تضمن بيانها التأسيسي فتوى توجب على المسلمين قتل الاميركيين ونهب أموالهم، والذي وصفه السباعي بأنه "ركيك الصياغة" و"مخالف الشريعة" فماذا التنظيم فاعل في المستقبل؟ والمؤكد أن ما يجري داخل التنظيمات الاصولية الراديكالية المصرية من تفاعلات يحظى باهتمام بالغ من جانب الاوساط الرسمية والامنية في دول أخرى. فالظاهرة بدأت من مصر والعنف انطلق في بداية التسعينات من قرية صغيرة تدعى صنبو في مدينة ديروط في قلب محافظة اسيوط في الصعيد، وانتشر الى باقي المدن المصرية ومنها إلى دول أخرى لتتشابك الخيوط وتحكم العقد ما بين افغانستانوباكستان والسودان واليمن والبوسنة والهرسك والبانيا، واتسعت خريطة الحركات الأصولية لتشمل دولاً أخرى في أوروبا وآسيا وافريقيا واميركا اللاتينية. وإذا كان المصريون يتمتعون بهدوء وأمن كاملين منذ حادثة الأقصر الشهيرة التي وقعت في تشرين الأول اكتوبر العام 1997 بفعل تناقضات فجرتها الحادثة داخل تنظيم "الجماعة الإسلامية" وأحداث أفضت إلى قرار أصدره التنظيم في آذار مارس من العام الماضي بوقف العمليات العسكرية داخل مصر وخارجها. وكذلك بفعل التفاعلات التي أحدثتها سياسات الظواهري داخل "جماعة الجهاد" فإن استمرار الهدوء والرغبة في توقف العنف تماماً صار مطلباً تجمع عليه الأوساط الرسمية الشعبية في كل دول العالم. ويبدو أن الرغبة انتقلت بقوة إلى داخل أوساط الأصوليين أنفسهم. لكن المعضلة تظل قائمة ما بين سعي الحكومات الى استئصال "الحالة الإسلامية" ورفض الإسلاميين عموماً التخلي عن كل شيء دفعة واحدة، أي إلقاء السلاح والتراجع الى خلفية الصورة من دون مقدمها، فالخيار السياسي مازال مرفوضاً لدى الدولة في مصر والاعتراض على التحول إلى تأسيس الأحزاب السياسية مازال قائماً بين قادة التنظيمات الاصولية حتى التي اختارت وقف العنف تماماً ك"الجماعة الإسلامية". ويبدو أن التخلي عن العنف سيترك فراغاً، والكيفية التي سيمارس بها هؤلاء الذين حملوا السلاح لسنوات نشاطاً لم تتضح بعد. وإذا كانت "جماعة الجهاد"، وفقاً كما فُهم من كلام السباعي، ستعود إلى استراتيجيتها الأولى بالاعتماد على اسلوب "الإنقلاب العسكري" فعلى الأرجح أن يظل التنظيم غارقاً في السعي نحو هدف، وفقاً لمعطيات العصر، لن يتحقق. أما هؤلاء الاصوليون الذين سعوا نحو خوض تجربة حزبية كما هو الحال بالنسبة الى مؤسسي حزب "الشريعة" فرغم أنهم من الاسلاميين الذين ظلوا لسنوات يرفضون التعاطي مع الديموقراطية والنظام الحزبي فإن تصور أنهم يمثلون الحركات الراديكالية الإسلامية أمر غير صحيح.