يصغر حجم الرجل في رواية رشيد الضعيف الأخيرة فيتحول فرداً في عالم النساء كما تظهر أولئك أفراداً في عالم الرجل. "تصطفل ميريل ستريب" الصادرة عن دار رياض الريس، بيروت، نص مرح ساخر عن رجل ينهار عالمه حوله وسط نساء قويات يتعدين جيله الى جيل امه وخالته في تواطؤ مقصود ومكشوف بلا خجل أو تظاهر. يبدأ التوتر بين الجنسين، على الأصح بين "رشود" والنساء منذ الصفحات الأولى، ففي حين يتصور العريس الجديد علاقته بزوجته جنساً شبه دائم تبدي هي نفوراً وتفضل البقاء عند أهلها أطول وقت ممكن. وكما تشكو النساء من غلاظة إحساس الرجال يحلم البطل المضاد في "تصطفل ميريل ستريب" ان تبذل الزوجة "من ذاتها لتسعدني، وان يغلو في عينيها كل شيء فيّ" ص 23. يعد نفسه بتحقيق حلمه عندما يشتري تلفزيوناً يلتقط ثمانين محطة يرضيها ويكمل شروط العيش السهل الذي ينسجم مع الاسترخاء المنشود. لا أحد يعمل في الرواية باستثناء خياطة الستائر وصاحب الدكان، والباقون متبطلون يشتركون في العالم من خلال التفرج على الشاشة وان كان "رشود" يركز كل انتباهه علىها فيختزل علاقته بها بالنظر من دون فهم. يشعر بالتباس دوره عندما يطلب عشاء من المطعم ويغسل ثيابها الداخلية، ويريد ان يبكي لشعوره بالمصالحة مع نفسه وبالتالي زوجته ولاحساسه أيضاً "بأن ما أقوم به ليس من عملي كرجل" ص 24. يرغب في استدراجها من منزل والديها وتلفزيونهم الذي يلتقط ثمانين محطة وينسي زوجته بالتأكيد انه كان لها زوج ذات يوم" لكنه يؤمن أن اصلاح ذات البين بين الرجل والمرأة من واجباتها. لكن التنازلات تتوالى من دون أن تقايض بالمشاعر المطلوبة، فالزوجة تكبّر مواضيع الخلاف دائماً "ولا تتراجع إلا بعد أن تشعر انها أحرزت موقعاً جديداً" ص 44. لا تقتصر مشكلته على الصراع بين الرجل القديم وذلك الحديث فيه، بل تتعداها الى الصراع بين رجل تفترض فيه القوة وامرأة قوية حقاً لا تحتاج الى رجل في حياتها بل تستخدمه. حتى الجنس الذي يشعر الرجال بسلطتهم تجاه النساء سواء علموا بالتحليل الفرويدي له أو لا، لا يشكل سلاحاً ضدها. في الصفحة 83: "تفاجئني هذه المرأة، تضعضعني... لا أشعر انها لي إلا وأنا... حتى هناك أشعر انها تفلت من يدي فلا أستطيع القبض عليها كالزئبق". تقوى عليه خصوصاً "عندما تستفرد بي" وإذ يحس بضعفه ازاءها تفتح جبهة جديدة بتجريده من انسانيته ومساواته لها: "تفترسني افتراساً. تشبه القرد". يتداخل وجود النساء في "تصطفل ميريل ستريب" مع الجنس والصورة التي يجب أن يكن عليها وحقيقتهن الصادمة التي تجعل بعضهن يبدو مصاصَ دماء. والدة الزوج كانت تشكوه لخالته باستمرار بسبب البقع التي تراها على ملابسه. والخالة شجعته على الزواج من ابنة الجيران لتنقذ سمعتها بعد علاقتها بالشاب الفرنسي. ووالدة الزوجة ترى زوجها كريماً خدوماً طيب القلب "لكنه لم يكن رجلاً" يبادر معها واستنجد بأمه كلما بلغ الذروة. حتى الممثلة في الفيلم الخلاعي ترمي الزوج بنظرة "كالصفعة القاسية... أتلقى نظرتها اليّ، الى الكاميرا، بسوقية ظالمة مفسدة لذتي وشعوري بالكسب والحميمية. كأنها رأتني أنظر اليها باهتمام وانصراف كليين فسخرت مني قائلة: "شفتك أنا كمان". زوجته أيضاً سوقية مثل والدتها فكلما جرّب أن يخدعها أو يتفحصها جنسياً بادرته بسؤال قصير يبقيها في المركز الأقوى. ووالدتها تحب المرأة ذات الشخصية القوية التي تتصرف علناً "بشكل يحسدها عليه الرجال الأقوياء أنفسهم". ومن هؤلاء جارتها التي أنجبت ولداً من غير زوجها أنفق عشيقها على تعليمه. أما خيّاطة الستائر فتثير العجب للنداء الواضح في عينيها: "كيف يسمح لها أهلها بالخروج وفي عينيها هذا الضوء المستغيث... والدها وأخوتها لا بد يضربونها على وضوح هذا الأمر الذي يجب أن يخفى" ص 34. الصورة الأخرى يتناول رشيد الضعيف المرأة ليقابل صورتها الأخرى التي صنعها وأرادها الرجل ك "هذا الكائن الجميل اللطيف الطاهر الأثيري". زوجته ليست أياً من هذه فهي تتزوجه لتتقي الفضيحة التي أثارها وجود الفرنسي في حياتها. "نزل عليها كشيء ذوّبها ذوباناً" ص 97، أما هو فتزوجته وهي لا تريد أن تكون زوجة له أو أماً معه. لم تقل مثل زوجة صديقه الأجنبية: "أنا سعيدة لأنني حملت منك أنت" بل قالت انه شرير. "لم أفكر اطلاقاً انها تقصد بالفعل انني شرير، اعتقدت انها تقصد انني أملك كرجل قدرة وفاعلية... انها تشير الى تأثير فعل الذكورة وقوتها". انفجرت بالبكاء "كأنني رميت عليها مادة حارقة، أسيداً، وشوهتها تشويهاً مستمراً ودائماً" ص 93. لكنها تركته بعد شهر واحد من الزواج لتحرشه بالخياطة وخرجت زوجة مظلومة لا يستحقها المهووس الذي خدعها. والدتها وخالته تعاونتا على خداعه واستغلاله، أما والدته المرتابة فيه أصلاً فعززت المؤامرة عليه لسلبه ما تبقى له من رجولة. القسم الأخير من الكتاب يتحول الى تحقيق في طريقة فقدان زوجته عذريتها قبل الزواج، ويبلغ هجاء هاجس العذرية ذروته عندما يطلب من الطبيبة أن تخبره كيف مارست زوجته الجنس، وهل فعلت ذلك في شكل متقطع أم دائم، ولكي يسهل المهمة عليها يكشف لها: "لم نمارس بالشكل الكامل إلا عشر مرات". خالفت نموذج "الكائن الجميل اللطيف الطاهر الأثيري" منذ اللقاء الأول إذ شربت البيرة ودخنت الغولواز بلا فلتر لكنه قاوم شكوكه. بعد الزواج بدت معتادة على ممارسة الجنس بطريقة آمنة وفضحت معرفة عملية به، لكن الاشارات اختلطت عليه فاستسلم لغبائه. اعتقد ان "جسد الفتاة يجب أن يتسلمه الزوج تسلماً كاملاً متكاملاً. هذه هدية ثمينة للزوج" ص 139، وأطلعها على تجاربه قبل الزواج لكنها لم تقم بالمثل إذ ان ذلك سيجعلها فضلات شخص آخر. اعترفت انها قصدت طبيباً ليعيد لها عذريتها، لكنها قلبت الموقف بالقول انها ضحت بصحتها وتعرضت للنزيف لكي "ينجح زواجنا"، وتساءلت والدتها: "هل كتب على المرأة ان تتحمل كل هذا العذاب حتى يكون لها رجل؟" الرجل التقليدي مستلب الرجولة وخائف وخاسر في المواجهة مع النسويات اللواتي يعزز الطب والأفكار الجديدة قوتهن. لكن هذه ليست جديدة فالشابة سجينة الجني في حكاية شهريار تخونه مع خمسمئة وسبعين رجلاً على رغم انه وضعها في صندوق مقفل بسبعة اقفال! "لم يعلم ان المرأة منا اذا ارادت أمراً لم يغلبها شيء" قالت. نص رشيد الضعيف مضحك متهكم خفيف ويقرأ بسرعة. على انه يبدو كأنه كتب على دفعتين فصل بينهما وقت كاف لفقدان الانسجام بين أول" الرواية القصيرة وآخرها. وتضطرب الأزمنة ايضاً إذ يحصل الزواج في بداية التسعينات عندما أعلن جورج بوش ولادة النظام العالمي الجديد، لكن الزوجة كانت في التاسعة عندما زارت الجنوب بعد تحرره من احتلال اسرائيلي دام عشرين عاماً، وكان ذلك في ربيع 2000.