تتشابك الآن امور عدة تؤثر بوضوح في مجرى الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي وتربط بينها علاقات جدلية. من هذه العوامل الانتخابات الاسرائيلية المقبلة التي استبقها رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك، افتتاحاً لحملته الانتخابية، ب"خطة سلام" جزئية سارع الفلسطينيون الى رفضها على الفور لأنها، شأنها شأن ما عرضه في كامب ديفيد في تموز يوليو الماضي، لا ترقى الى تلبية حتى الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية. وهناك ايضاً المسرح السياسي الاسرائيلي الميال بمجمله الى اليمين، اي الى المحافظة على مقولة "اسرائيل الكبرى". وبين تلك العوامل ايضا مشارفة ولاية الرئيس الاميركي بيل كلينتون على الانتهاء بعد أقل من خمسين يوماً، الامر الذي ينذر بزيادة فلتان الوضع في المنطقة. ولكن العامل الاول الذي يمكن من خلاله الحكم على ما اذا كان الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي سيتجه في الشهور المقبلة نحو حل مرضٍ لطرفيه او نحو المزيد من التفاقم الدموي، هو الانتفاضة الشعبية الفلسطينية المستمرة منذ شهرين وموقف اسرائيل منها. لقد اندلعت الانتفاضة غضبا على الاحتلال بعدما وصلت المفاوضات السلمية مع اسرائيل الى طريق مسدود، ولم يعد امام ابناء الشعب الفلسطيني الذين يعانون من الاحتلال الوحشي منذ 33 عاما سوى النضال ضده والاحتجاج عليه، واذا امكن استنزافه، لكي يرحل فيحقق الفلسطينيون بذلك هدفي التحرر والاسقلال. اذا كان الاسرائيليون يقولون ان الفلسطينيين لن يتمكنوا بالانتفاضة من الحصول على اكثر مما عرض عليهم في المفاوضات، فإن الفلسطينيين يقولون ان اسرائيل ببطشها العسكري لن تستطيع انتزاع تنازلات منهم عجزت عن فرضها عليهم في المفاوضات. لقد لجأ القادة الاسرائيليون، بعد ادراكهم ان قصف المدن والمواقع الفلسطينية بالصواريخ والمدفعية يؤذيان اسرائيل على صعيد الرأي العام العالمي، الى وسيلة اغتيال القادة الميدانيين للانتفاضة بزرع القنابل واستخدام "الوحدات الخاصة" ورصاص القناصة في عمليات بعيدة عن اضواء الكاميرات. من هنا صارت الاسئلة تلحّ الآن بشأن الشكل الذي يمكن ان تستقر عليه الانتفاضة، وهل سيعمد قادتها الى تطويرها لتترافق مظاهرها الاحتجاجية مع عمليات استنزاف مسلحة ضد الجنود والمستوطنين في الاراضي الفلسطينية. وثمة تساؤلات عما ادا كانت السلطة الفلسطينية، المرتبطة مع اسرائيل باتفاق للتنسيق الامني، ستسمح بانطلاق عمليات ضد جنود الاحتلال، خصوصاً اذا بقي المؤمنون بنهج اوسلو آملين بامكان مواصلة ذلك النهج؟ لقد اصدر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قبل اسابيع اوامره بعدم اطلاق النار على الاسرائيليين من المناطق الخاضعة كلياً للسلطة الفلسطينية، وهي المعروفة بالمناطق أ، وفهم الاسرائيليون من ذلك انه لا يدعي المسؤولية عما يمكن ان يحدث في المناطق المصنفة ب وج الخاضعة امنياً لاسرائيل، اي التي ما زالت عملياً تحت الاحتلال. ان الانتفاضة، لكي تحقق هدفي التحرر والاستقلال، لا بد ان تكون فعالة ومستمرة ومحمية من اجهزة الامن الفلسطينية. أما وقفها، او لجمها، قبل بلوغها اهدافها فيعني السماح بذهاب دماء الفلسطينيين شهدائها وجرحاها هدراً