تعززت حركة النمو الاقتصادي في دول الاتحاد الاوروبي السنة الجارية وسجلت معدلات لم يشهدها الاتحاد منذ عقود، اذ وصلت إلى 3,4 في المئة ويتوقع أن تظل المعدلات مرتفعة خلال السنتين المقبلتين، ما قد يعزز سعر صرف اليورو. وينهي الأوروبيون سنة 2001 وهم متفائلون باستمرار النمو الاقتصادي والرفاهية مع اقتراب آفاق توسع الاتحاد باتجاه وسط وشرق القارة. لكنهم يتساءلون في الوقت نفسه عن العواقب المالية والتضحيات والكلفة التي سيتحملونها في مقابل استيعاب البلدان الشرقية في غضون العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. قوي اتجاه النمو في الاتحاد الاوروبي منذ منتصف العام الماضي خصوصاً بعد أن نجا الاقتصاد الأوروبي، بفضل الوحدة النقدية، من عواقب أزمة أسواق المال التي هزت اقتصادات آسيا وروسيا. وسجل الاتحاد أعلى معدلات نمو لم يشهدها منذ عقود بلغت نسبة أربعة في المئة عام 1999 لدى بعض البلدان الأعضاء وقدرت بنسبة 3,4 في المئة في سنة 2000. ويفسر التباطأ النسبي السنة الجارية بارتفاع اسعار الطاقة بشكل منتظم منذ الشتاء الماضي وبمبادرات البنك المركزي الأوروبي الذي يرأسه فيم دويزنبرغ رفع اسعار الفائدة لاحتواء مخاطر التضخم المالي. إلا أن التفاؤل يسود اوساط الأعمال والمستثمرين لأسباب نجاح الاصلاحات الاقتصادية واعتدال زيادة الأجور وارتفاع الاستهلاك وخفض الضرائب المفروضة على المؤسسات. ويتوقع ان تظل معدلات النمو مرتفعة في مستويات ثلاثة في المئة في غضون السنتين المقبلتين. وعكست القمة الأوروبية، التي عقدت في شهر آذار مارس من السنة الجارية في البرتغال، إحساس البلدان الأعضاء بضرورة معاودة توجيه الموارد البشرية وخيارات التعليم والتدريب المهني. وأوصت القمة بوضع برامج تعميم استخدام شبكة الانترنت في المدارس كافة ومساعدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة على الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات. البطالة وسجلت معدلات البطالة تراجعاً على مدى العامين وتقلصت إلى 8,9 في المئة في نهاية سنة 2000. وتركزت وظائف العمل الجديدة في قطاعات الخدمات وفي إطار أنظمة العقود المؤقتة. ويتوقع ان تنخفض البطالة في غضون السنتين المقبلتين بنقطة ونصف النقطة وان يصل عدد الوظائف الجديدة إلى اربعة ملايين وظيفة في الاتحاد الأوروبي. وقالت تقديرات أولية أجرتها دائرة الإحصاء الاقتصادي الأوروبي إن معدلات البطالة ستنخفض إلى سبعة في المئة سنة 2002. أزمة المحروقات وضرائب الطاقة لكن الاقتصاد الاوروبي لا يزال يخشى بعض العوامل الخارجية التي قد تؤثر في النمو الاقتصادي مثل اسعار الطاقة واتجاهات النمو في السوق الأميركية وأسعار صرف اليورو مقابل الدولار والين. فقد تضاعفت أسعار الطاقة ثلاث مرات منذ عام 1998 واشتدت أزمة ارتفاع الأسعار منذ منتصف سنة 2000 واكتسبت أبعاداً اقتصادية واجتماعية داخل السوق الأوروبية أثارت تساؤلات في شأن قدرات الانتاج والكميات المتوافرة عملياً في السوق العالمية. إلا أن الأزمة لم تبلغ مستوى الصدمات النفطية السابقة لأن ارتفاع الأسعار في غضون سنة 2000 لم يتساو مع معدلات الزيادة في عقد السبعينيات. وتفسر الزيادات الأخيرة بأسباب عدة منها نشاط المضاربين وارتفاع الطلب بفعل تزايد النمو الاقتصادي وانضباط البلدان المصدرة للطاقة وكذلك انخفاض قيمة اليورو مقابل الدولار وهو عملة تسعير فواتير استيراد الطاقة من ناحية، وارتفاع نسبة الرسوم المتنوعة التي يدفعها المستهلك الأوروبي والتي تفوق ثلثي السعر عند محطات التزود من ناحية ثانية. وشهد الاتحاد الأوروبي خريفاً ساخناً برز فيه نفاد صبر مؤسسات قطاع النقل والشحن امام ارتفاع الضرائب المفروضة على المحروقات لأن خزائن حكومات البلدان الأعضاء كانت تجني فوائد إضافية تتزايد في كل مرة يزداد فيها سعر البرميل الخام. وتتفاوت ضرائب الطاقة حسب البلدان وتصل اقصاها في بريطانيا الى 82 في المئة من إجمالي السعر. وتتألف ضرائب الطاقة من الضريبة على القيمة المضافة زائد الضرائب الثابتة المسلطة تقيليداً على المحروقات والسجائر والمشروبات. وتشمل أحياناً ضرائب إضافية فرضت لأغراض حماية البيئة. ومع ارتفاع اسعار المحروقات إلى مستويات عالية للغاية، في الخريف الماضي، واجهت مؤسسات النقل والشحن صعوبات مالية كبيرة وتحرك أرباب العمل، في سابقة هي الأولى، و شلوا حركة المرور في الطرقات السريعة في فرنسا وحاصروا محطات التكرير في بريطانيا وأوقفوا شاحناتهم في الشرايين الرئيسية وأمام مداخل الأنفاق في بروكسيل. وعمت حركة الاحتجاج طوال أسابيع شهر ايلول سبتمبر الماضي غالبية البلدان الأوروبية وفرضت على حكومات البلدان الأعضاء، باستثناء الحكومة البريطانية، مراجعة معدلات الضرائب والحصول على تعويضات وتسهيلات سداد رسوم الائتمانات الاجتماعية. وعلى الصعيد السياسي، كشفت الأزمة ضيق الرأي العام من ناحية وانعدام وجود سياسة مشتركة للطاقة. ووجدت كل من الحكومات الأوروبية نفسها أمام ازمة اجتماعية ومن دون رغبة للتعاون في ما بينها لاستخدام الاحتياطات الاستراتيجية. وعبثا حاولت المفوضية الأوروبية التدخل، اذ لا تزال الحكومات الأوروبية تعتبر مسائل التزود بالطاقة ضمن قضايا الأمن القومي فلا تترك قرارها للمؤسسات المشتركة في بروكسيل. كما كشفت الأزمة انعدام شفافية قطاع توزيع المحروقات في السوق الأوروبية واتفاق الشركات الكبرى على اقتسامها. وتكررت في بداية الخريف بعض التصريحات النارية التي حاول أصحابها توجيه الأنظار عن مسوؤليات الحكومات في رفع الضرائب وتحويلها صوب البلدان المصدرة للنفط. إلا ان هذا التبرير لم يلق صداه في الأوساط الاجتماعية. واتضح بشكل تدريجي، عبر أسابيع الأزمة، أن مبادرات رفع الانتاج من جانب منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك لم تكن كافية لخفض الأسعار التي تجاوزت 35 دولاراً للبرميل لخام القياس الاميركي واقتربت من 35 دولاراً لخام القياسي البريطاني برنت. وطرحت الأزمة تساؤلات عن القوى التي تتحكم في الانتاج والأسعار في السوق والعلاقات التي يمكن بناؤها من جديد بين البلدان المصدرة للنفط والأخرى المستهلكة. ويتفق الكثير من الخبراء في أن النفط يمثل سلعة استراتيجية لا يمكن وضعها رهن تأثيرات قواعد العرض والطلب في السوق العالمية. وحظي مقترح المفوضية الأوروبية تنظيم حوار بين البلدان المنتجة والمستهلكة للطاقة بموافقة البلدان الأعضاء. ويقتضي المقترح موافقة العديد من الأطراف وبشكل خاص الولاياتالمتحدة، لكن المراقبين يشككون في أن يوافق الرئيس الأميركي الجديد جورج بوش الثاني على المقترح وينسب اليه الارتباط بمصالح الصناعات النفطية. الاقتصاد الاميركي والدولار وتأثر الاقتصاد الأوروبي من جهة أخرى بارتفاع أداء اقتصاد الولاياتالمتحدة إلى مستويات قياسية تزيد على خمسة في المئة، جعلته يجذب الاستثمارات الأوروبية ويزيد من قوة الدولار على حساب العملات الدولية الكبرى. ولاحظ الخبراء أن حجم الاستثمارات الأوروبية التي اتجهت نحو الولاياتالمتحدة فاق قيمة الاستثمارات الأميركية التي دخلت السوق الأوروبية. واستمرت العوامل الأميركية تؤثر في الاقتصاد الاوروبي على رغم صحة أوضاع الموازنات العامة وارتفاع الاستهلاك الداخلي ونمو الصادرات. ويتوقع محللون انقلاب الاتجاه لفائدة العملة الأوروبية الموحدة وتقوية عناصر الثقة في الاقتصاد الأوروبي عندما تتأكد مؤشرات تباطؤ النمو في الولاياتالمتحدة وهو ما بدا في الأسابيع الأخيرة من سنة 2000. البلدان المرشحة لعضوية الاتحاد وطالت حركة النمو الاقتصادي بلدان وسط وشرق اوروبا المرشحة لعضوية الاتحاد بفعل الاصلاحات الهيكلية و زيادة المعونات التي تقدمها المفوضية للمساعدة على تأهيل اقتصادات المنطقة وتحديث البنى التحتية وتعزيز المؤسسات الصناعية. وتساهم المعونات الأوروبية الخارجية والاصلاحات الداخلية في زيادة جاذبية الاستثمارات الخاصة. وذكرت تقديرات المفوضية الأوروبية أن معدلات النمو الاقتصادي في البلدان ال13 المرشحة لعضوية الاتحاد ارتفعت من نسبة كادت تكون سلبية 0,3 في المئة عام 1999 إلى 4,8 في المئة سنة 2000. وتتفاوت المعدلات بين اثنين في المئة في لاتفيا ورومانيا وسلوفاكيا إلى أكثر من خمسة في المئة في بلغاريا واستونيا وهنغاريا وبولندا وتركيا. وبفعل ارتباط التجارة الخارجية للبلدان المرشحة للعضوية، فإن النمو الاقتصادي المرتقب داخل الاتحاد سيستفيد من اقتصادات البلدان المرشحة. وتتوقع المفوضية أن تراوح معدلات النمو في عشرة من البلدان المعنية بين 4,25 و4.5 في المئة في سنتي 2001 و2002 لأسباب الزيادات المرتقبة للاستهلاك الداخلي و ارتفاع الاستثمارات. وواصلت المفوضية الأوروبية طوال سنة 2000 مفاوضات العضوية مع البلدان المرشحة ومنها قبرص ومالطا وباستثناء تركيا التي كانت حصلت على صفة البلد المرشح لكنها تبدو دائماً غير مؤهلة ولا تستجيب للشروط الاقتصادية والسياسية المفترضة قبل انطلاق مفاوضات العضوية. وتتركز المفاوضات حول عشرات القطاعات الاقتصادية والفنية. وهي عملية معقدة تهدف الى تطبيق تشريعات الاتحاد على اقتصادات أعضائه المقبلين مثل حماية البيئة بالنسبة لهنغاريا أو تأشيرة الدخول بالنسبة لكل من رومانيا أو بلغاريا. وأكدت القمة الأوروبية في اجتماعات مطلع شهر كانون الاول ديسمبر الجاري في نيس، جنوبفرنسا أن الاتحاد سيكون جاهزاً لاستيعاب الدفعة الأولى بعد نهاية سنة 2003. ويمثل الموعد حافزاً لإسراع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية الجارية في كل من البلدان المعنية والتي ستكلف شعوب المنطقة دفع فاتورة باهظة. ففي الوقت الذي يتزايد فيه الاستثمار والاستهلاك والنمو الاقتصادي فإن معدلات البطالة تميل نحو الارتفاع في أكثر من بلد وتصل معدلاتها إلى12 في المئة لأسباب الإصلاحات الهيكلية وحركة تخصيص المؤسسات العامة. وتدل نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في رومانيا والتي احتل فيها اليمين المتطرف موقع القوة السياسية الثانية في البلاد على ازدياد مناهضة الاصلاحات التي تقتضيها شروط العضوية في الاتحاد الأوروبي. وتعول البلدان المرشحة على سخاء الاتحاد الأوروبي الذي يحوّل بعض البلايين في كل عام لتمويل عمليات الاصلاح الاداري والقضائي ومساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتمويل برامج التدريب المهني من أجل تعزيز تنافسية اقتصادات المنطقة. ولا تحظى خطة التوسيع بإجماع في صفوف الرأي العام وحتى بين كبار المسؤولين، فهم يتحدثون في العلن عن الاستحقاق التاريخي لتوحيد القارة للمرة الاولى منذ قدم الزمان فيما يشكك بعضهم، سراً، في قدرة الاتحاد على توفير الدعم المالي اللازم، ويرى فريق آخر ان توسيع الاتحاد وارتفاع عدد الأعضاء بعد عقد من الزمن إلى 27 أو 28 بلداً يتناقض مع حاجات تعميق الوحدة الداخلية في مابين الأعضاء القائمين. وقد يكون التوسيع انتصاراً للفكر التجاري على حساب تطلعات الوحدة السياسية.