كانت سنة 2000 أهم إمتحان صعب تمر به القوى السياسية والحزبية في البلاد منذ إعلان الحكم الإنفتاح السياسي والديمقراطي مطلع سنة 1989، بعد 30 سنة من تجربة الأحادية السياسية والحزبية في ظل نظام إشتراكي متشدد. وجاء صعود الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى الحكم، قبل سنة ونصف، بدعم من أبرز القوى السياسية ليضع مختلف هذه القوى في مواجهة تطورات الوضع الذي يعرفه البلد منذ فترة، بحيث أجبرت على تقليص هامش مناورتها أمام مصير غامض بشأن تطور الوضع السياسي والأمني. وإضطر الرئيس بوتفليقة إلى إنتظار ثمانية اشهر كاملة لتشكيل حكومة تمثل القوى السياسية السبعة التي دعمته في الإنتخابات لكنه إعترف فيما بعد أنه وجد نفسه أسير هذا "الإجماع" الحزبي مما حد، على قوله، من هامش تحركه.وتحولت معه القوى التي كانت تصنع المشهد الجزائري منذ سنوات إلى مجرد أدوات بيد الحكم تتحرك بمجرد هزات داخل النظام أو بأمر مباشر من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. فقد تحركت في أهم حملة سياسية منذ سنوات ضد زيارة وفد إعلامي جزائري إلى إسرائيل بمجرد صدور برقية لوكالة الأنباء الرسمية حملت تنديد الرئيس وما كانت لتفعل ذلك على الرغم من أنها إطلعت على الخبر قبل نحو أكثر من شهر. وتكررت التجربة مرة ثانية... وثالثة. وفي موازاة أحزاب الإئتلاف الحكومي التي قررت الإبقاء على شعرة "معاوية" مع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى أن يحدث الطلاق بين أصحاب القرار، لم تخرج أحزاب المعارضة عن القاعدة فحركة الإصلاح الوطني يقودها الشيخ عبدالله جاب الله وجبهة القوى الإشتراكية يتزعمها حسين أيت أحمد وجدت نفسها أسيرة الجمود السياسي العام ولم تستطع كسره رغم عشرات التجمعات والتصريحات الصحفية. ولأول مرة منذ الإنفتاح السياسي والديمقراطي قررت الحكومة إغلاق باب منح "الإعتمادات" للشخصيات التي تريد تأسيس تشكيلات جديدة فمنعت حركة الوفاء والعدل بدعوى أنها "إعادة تأسيس جديد للجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة" وجاء ذلك بعد مخاض عسير عرفه النظام مدة 10 أشهر كاملة على الرغم من أن قانون الأحزاب يمنح الحكومة أجل شهرين فقط لإعلان الرفض وإلا إعتبر الحزب معتمداً بقوة القانون. ولم يكن لحزب الدكتور الإبراهيمي إلا مقدمة لحلقة من سلسلة تضييق على الأحزاب إستهدفت كلاً من الجبهة الديمقراطية التي يرأسها رئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي والذي لم ينل إعتماد منذ تقديم ملفه في شهر ايار مايو الماضي، وهناك ثلاث تشكيلات أخرى لا تزال تنتظر رد وزارة الداخلية رغم إنتهاء الآجال القانونية منذ فترة طويلة. ومهما تكن تبريرات الحكم والأحزاب، على حد سواء، فإن المؤكد أن غياب هذه التشكيلات الصعبة في مؤازة ضحايا الإعتداءات المسلحة ولد قلقاً متزايداً لدى مختلف سكان المناطق النائية والريفية الذين عبروا عن حاجتهم إلى حماية، وإلى من يتحدث عنهم في البرلمان وفي بقية الأماكن التي ترفع فيها شكاوى الشعب.