} لم تشذ السنة الجارية عن مثيلاتها منذ أكثر من عقد، وتحولت الوعود التي كان يطلقها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في كل مكان، خلال حملته الانتخابية، إلى ما يشبه "صرخة في واد" بسبب هيمنة جماعات المصالح على سلطة القرار، أمام ترد مستمر للأوضاع الأمنية والاجتماعية. رغم إعلانه سياسة الوئام منذ توليه الحكم والتي أفضت إلى العفو عن 6000 عنصر مسلح، لم ينجح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في إحلال السلام الذي دعا إليه، والذي كان أحد أهم أولياته. ورغم التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية إلا أن تقديرات الصحف المحلية تشير إلى أن عدد الضحايا بلغ خلال الأشهر الماضية أكثر من 2500 ضحية جديدة. ويرفض كل من الجماعة الإسلامية المسلحة والجماعة السلفية للدعوة والقتال سياسة اليد الممدودة للرئيس الجزائري، رغم تهديده أكثر من مرة باللجوء إلى استعمال مختلف القوى المتوافرة لدى الجيش الجزائري، في ما سماه عمليات "سيف الحجاج" والتي انتهت دون تحقيق نتائج كبيرة. والواقع أن خيبة الأمل في إمكان تحقيق "السلام" كانت سبباً كافياً لدفع رئيس الجمهورية إلى التخلي عن هذه المهمة الوطنية والبحث عن "الوئام" في القارة الافريقية، وإن كانت الوساطة التي قدمها في الكونغو الديمقراطية فشلت في ظرف قياسي، فإن إصراره على نيل النجاح في القرن الافريقي مكّنه من التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار في 18 حزيران يونيو الماضي قبل أن ينجح في منتصف شهر كانون الاول ديسمبر الجاري في جمع الرئيس الأثيوبي ونظيره الأريتيري لأول مرة بحضور السيدة مادلين أولبرايت التي تزور الجزائر لأول مرة منذ تولي كلينتون الحكم. وأمام تزايد عدد زياراته إلى الخارج أكثر من 32 زيارة في ظرف سنة ونصف ووسط انتقادات شديدة وجهتها ضده صحف محلية وأطراف سياسية اضطر الرئيس الجزائري إلى الاهتمام أكثر بالوضع الداخلي الذي يشهد تردياً مستمراً. فتارة يعلن تغييرات في مختلف هياكل الدولة شملت حتى مراسلي وكالة الأنباء الرسمية في الخارج الذين عينهم بموجب مرسوم رئاسي، وتارة أخرى يعلن عن تنصيب لجان "الاصلاح"، فبعد اللجنة الوطنية لاصلاح العدالة جاء دور اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية، وأخيراً جاء دور لجنة اصلاح الدولة، وكلها مشاريع أُسندت لشخصيات قريبة من الرئيس. ولأول مرة منذ فترة طويلة عمد الرئيس إلى انتهاج أسلوب الزيارات الميدانية وهو ما مكّنه من معرفة الوضع الصعب الذي يعيشه ملايين الجزائريين. ورغم هذه الخطوات "الطموحة" فإن استمرار تردي الوضع الأمني والاجتماعي، وبداية تحرك جماعات المصالح ضد المسعى الرئاسي خلط الكثير من الأوراق التي كانت بيد الرئيس بوتفليقة الأمر الذي دفع رئيس حكومته أحمد بن بيتور إلى تقديم الاستقالة وهيأ بذلك المجال لحدوث مناوشات بين وزراء الائتلاف الحكومي كانت محل "سخط" الرئيس بوتفليقة. ولأول مرة منذ سنوات تشهد الجزائر التحاق الشباب بالجماعات الاسلامية المسلحة ولكن لأسباب أخرى غير سياسية ولا دينية. لقد أصبح الفقر والنقمة من الفساد الاداري الذي تعرفه مختلف المؤسسات الحكومية وجها جديداً من أوجه التعاسة التي توجد فيها غالبية الشباب الذين وجدوا أنفسهم رهن بطالة قاتلة. ورغم الوعود المتكررة بتحسين الوضع الاجتماعي للسكان فإن الواقع ظل يكذب ذلك، وتحولت المشاهد النادرة مثل العائلات التي تقتات من القمامات إلى صورة يومية، وتحولت طوابير فطور رمضان من ظاهرة عابرة إلى صورة مألوفة لدى غالبية الجزائريين. ولم تجد الحكومة من طريقة لستر عيوب "الفقر" إلا حظر أي نشاط خيري في شهر رمضان بهدف تجنب صور البؤس والحرمان. لقد تحول الفقر إلى ظاهرة وطنية واعترف الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في ندوة أقيمت نهاية شهر تشرين الاول اكتوبر الماضي أن غالبية السكان الجزائريين أضحوا في عداد الفقراء وأن "خزائن الدولة فارغة... خزائن الدولة فارغة". في مقابل هذه الصورة "السوداء" لم يجد الجزائريون من يتحدث عن "طموحاتهم" المؤجلة، فغالبية الأحزاب فضّلت الصمت والركون إلى الظل إلى أن يفكر أصحاب "الحل والعقد" في دوائر صناعة القرار في حل بديل، والأزمة الشاملة التي تعصف بمختلف فئات الشعب أمنياً واجتماعياً لم تعد تثير الكثير من اهتمامها. أما أحزاب الائتلاف الحكومي، على اختلاف مشاربها، مع مساعي الحكم وأحزاب المعارضة، فهمّها الأساسي البحث عن انتخابات جديدة ومرشحين جدد، وعدا هذه الحلقة المفرغة فالساحة السياسية الجزائرية لم تشهد الجديد بعد أن رفضت الحكومة اعتماد حركة الوفاء والعدل الذي يقودها الدكتور أحمد طالب الابراهيمي لأنها، حسب وزير الداخلية يزيد زرهوني، مجرد إعادة تأسيس لجبهة الانقاذ المحظورة أو "النازية الجديدة" كما قال أمام نواب البرلمان.