لا جديد اقتصادياً في مصر السنة 2000، الوعود كما هي والحلول معلقة ولا تزال مشاكل البطالة وأزمة الاسكان والأمية وأزمة الدولار وفشل سياسة التصدير هي المشاكل نفسها منذ السبعينات، وتصريحات رئيس الحكومة الحالي عاطف عبيد لا تختلف كثيراً عن تصريحات أسلافه عاطف صدقي وعلي لطفي وكمال الجنزوري. واذا كانت الحكومة عجزت عن حل المشاكل العادية المطلوبة جماهيرياً، إلا أن هناك اختبارين اجتازتهما الحكومة بنجاح، الاول نشر قاعدة تكنولوجية اساسها بنية تحتية قوية ومعالمها خطة واضحة لها أكثر من 500 مليون دولار ويستمر العمل بها لمدة ثلاث سنوات. والثاني احتواء الحكومة أزمة فرار بعض رجال الاعمال والحد من اعتبارها ظاهرة حتى لا تؤثر على المناخ العام في البلاد خصوصاً ان قائمة هؤلاء ضمت اسماء لامعة في مجال الاعمال كان مستبعداً فرارها تماماً. وبسبب نجاح سياسة الاحتواء دخل أحدهم البرلمان متفوقاً على مرشح الحكومة في الانتخابات التي جرت الشهر الماضي ما وضع علامة استفهام. ويصرح المسؤولون أن هناك تحسناً كبيراً في ميزان المدفوعات والحساب الجاري في الوقت الذي وصلت فيه الديون الخارجية الى اقل معدل لها منذ 50 عاماً 2،27 بليون دولار وانخفضت الواردات بنسبة 7،9 في المئة مقارنة بالعام الماضي، كما حققت الصادرات السلعية، زيادة بنسبة 23 في المئة، وانخفض العجز في الحساب الجاري الى 1،1 بليون دولار أي أقل من 1 في المئة من اجمالي الناتج المحلي. وتعتزم الحكومة تنفيذ سبع خطط وبرامج خلال الفترة المقبلة لتطوير الإصلاح الاقتصادي وتحسين المؤشرات الاقتصادية، وأول هذه البرامج تعميق التخصص اذ يتم بيع غالبية أسهم الحكومة في 175 مؤسسة عامة فضلاً عن بيع جميع حصص الحكومة في المشاريع المشتركة وعددها 385 مشروعاً. ويجري حالياً الانتهاء من إعداد القانون الجديد لسوق المال وسيتم نشره خلال ايام وطرحه للمناقشة العامة. لكن نظرة عامة الى الاقتصاد المصري في السنة 2000 تفيد أن هناك ضرورة لإعادة ترتيب البيت الداخلي سعياً للحفاظ على المكاسب التي تحققت من خلال تصحيح مسار الاقتصاد الذي يبدأ منذ عام 1991. واذا كان المسؤولون يرون أن الوضع مطمئن للغاية ولا يوجد ما يشير الى ضعف الاقتصاد، ينبغي الأخذ في الاعتبار ما حدث أخيراً ويمثل تداعيات لتوسعات في الطاقات وبناء للمخزون بنيت على حسابات خاطئة من السوق المحلية سيزداد حجمه ليستوعب كل الطاقات والسلع، لكن للأسف استورد المصريون بضائع بقيمة 50 بليون دولار في الفترة الماضية ما أدى إلى انتاج متراكم وبضائع مستوردة زادت على حاجة السوق وأدت إلى امتصاص جزء من السيولة وتحويلها الى بضائع راكدة ومشاريع تحت التنفيذ وطاقة معطلة. واصيبت سوق الصرف بعدم استقرار الامر الذي أزعج رجال الاعمال وأربك تعاملاتهم خارجياً، وقفزت الواردات من 24 بليون جنيه عام 97 الى 56 بليوناً عام 98 وتراوح حالياً بين 52 و48 بليون جنيه. وهناك ضرورة لإعادة هياكل قطاع النفط بالكامل فبعد أن كان دخل مصر من صادرات النفط يتجاوز 5،1 بليون دولار سنوياً، اصبحت الدولة تدفع للقطاع ولا تأخذ منه، ومن ثم ينبغي التعاون مع شركات دولية لتعديل الاتفاقات المبرمة سابقاً والاسراع في تنمية الحقول المكتشفة والاستفادة من ايراداتها بالنقد المحلي والاجنبي، ولا بد من بناء المؤسسات التي من شأنها ضبط ايقاع سوق أوراق المال، تلك السوق الناشئة التي في حاجة الى برنامج شامل لاستكمال المؤسسات المساندة لها وحماية صغار المستثمرين. والبورصة وسوق المال تستقران عندما يكون للمستثمرين مؤسسات تشتري الأسهم وتحتفظ بها وتضبط حريتها، اما حينما تكون الاوراق في أيدي المضاربين فقط فإن إيقاع البورصة يختل وكذلك سوق أوراق المال. تكنولوجيا واتصالات وعن الخطة التكنولوجية رأت مصر ضرورة مواكبة ما يحدث في العالم ما يعني ضرورة إنشاء بنية تحتية قوية في مجال الاتصالات، وتواكب ذلك مع قرار الرئيس حسني مبارك تشكيل أول وزارة للاتصالات والمعلومات في حكومة عاطف عبيد في تشرين الاول اكتوبر عام 99، وبدأت الوزارة عملها الفعلي في كانون الثاني يناير السنة 2000، بطرح اقتراحات عدة كي تكون مصر محوراً تكنولوجياً اقليمياً، ونجح الرئيس مبارك في إقناع شركات اميركية عملاقة مثل "مايكروسوفت" و"آي. بي. ام" و"سيسكو" و"أوراكل" بالمساعدة في تنمية قطاع المعلومات في البلاد، وتم ضخ استثمارات ضخمة السنة الجارية تجاوزت البليون دولار أبرزها إقامة شركة "انتل" مشروع رقائق الكومبيوتر يتيح 2،3 ألف فرصة عمل بكلفة 500 مليون دولار، والاتفاق على برنامج تدريبي مع "مايكروسوفت" بكلفة 350 مليون دولار. وجاء إعلان الحكومة لبناء قرى تكنولوجية في مناطق عدة بمثابة طفرة في هذا الإطار، اذ سيتولى بناء تلك القرى القطاع الخاص وبإشراف حكومي، وهناك نية لدى الدولة للانتقال من اقتصاد يقوده القطاع العام الى اقتصاد أكثر انفتاحاً وقدرة على المنافسة بعدما وصلت مشاركة القطاع الخاص بنسبة 75 في المئة من اجمالي الناتج المحلي مقابل 25 في المئة سنة 1983. وأعلنت الحكومة أن قائمة الانتظار للهواتف المنزلية ستنتهي سنة 2002 في بناء شبكة متطورة تكلف 295 مليون دولار قابلة للزيادة. فرار رجال الاعمال برزت قضية شائكة ومهمة في آب اغسطس الماضي بعد فرار رجال أعمال بارزين وعليهم ديون مصرفية تتجاوز 2،3 بليون جنيه، وعلى رغم أن عددهم لا يتجاوز خمسة إلا أنهم أساءوا الى مجتمع رجال الاعمال ككل، وتحولت القضية الى اشتباك بين رجال الاعمال والمصارف لعدم وجود ثقة مشتركة، وتريد المصارف استعادة أموالها والوطن في حاجة الى استمرار نشاط رجال الاعمال في السوق، ووقفت الحكومة الى جانب الطرفين بحيث يتمكن رجل الاعمال من تصحيح أوضاعه ليسدد ديونه. وشغلت القضية الرأي العام بل وأعادت للأذهان قضية نواب القروض التي عبأت الناس ضد المصارف، لكن الخوف من أن تطال الأزمة كل المقترضين دفع بعض رجال الاعمال الى تحذير الدولة من تحريك أي دعاوى جنائية ضد تلك الفئة معلناً الوقوف يداً واحدة، وأحدثت عودة أبرز الفارين الى البلاد بعد اللغط الدائر ارتياحاً في قطاع رجال الاعمال ورحبت الحكومة بتلك العودة. وعلى رغم عدم الاهتمام حالياً بالقضية إلا أن ما حدث ساهم الى حد ما في تشويه صورة رجل الاعمال على رغم جهود الغالبية منهم في تقديم صورة ايجابية من خلال المشاركة في المشاريع الاجتماعية وطرح حلول لمشاكل البطالة، حتى أن البعض أقدم على إعداد برامج مجانية لتعليم الشباب كل ما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات ومتابعتهم لحين الحصول على عمل مناسب. على أية حال أكدت القضية ان على المعنيين سد الثغرات ومساعدة رجال الاعمال على النهوض من كبوتهم بدلاً من تركهم في نفق مظلم يؤدي في النهاية الى تطورات لا يعلم مدى تأثيرها في الايام المقبلة على الاقتصاد القومي، بعد الهزات التي اصابته اخيراً من أزمة سيولة وتجاوز المصارف حدود الأمان في منح قروض وفرار رجال أعمال. وقد تكون الحكومة جادة إذ تدرس تشكيل مجموعة عمل متكاملة مع الجهاز المصرفي لإقامة مؤسسات للتمويل متوسطة والآليات الخاصة بها، ودرس إقامة مؤسسات استثمار لأسهم سوق المال وكذلك إقامة مؤسسات لتحصيل الديون بما يحفظ ويؤمن البيع بالأجل. وخلصت الحكومة الى أنها ستدعم رجال الاعمال الشرفاء الذين تعثروا في نشاطهم نظراً لظروف خارجة عن إرادتهم، في الوقت الذي لن تتساهل الدولة مع رجال الاعمال غير الشرفاء. التعاون المصري - العربي لا يمكن اعتبار اتفاق مصر ولبنان وسورية على مشروع الغاز الطبيعي حدثاً مهماً في تاريخ العلاقات المصرية - العربية، على اعتبار أن قيمة تصدير الغاز المصري إلى تلك الدول مجرد توقيع، كما يأتي في إطار صفقة لا تتجاوز بليون دولار. وكانت مصر وقّعت سابقاً عقداً مع تركياً لتصدير الغاز بقيمة 4 بلايين دولار، ومن ثم لا نجد هناك مشروعاً مصرياً عربياً مشتركاً يمكن اعتباره مهماً، في انتظار تنفيذ مشروع الغاز سنة 2002. حتى على صعيد الدول لم تشهد السنة 2000 تطوراً رسمياً في العلاقات المصرية - العربية من الناحية الاقتصادية، باستثناء العراق، وكانت الشهور الماضية شهدت جني ثمار لثلاث سنوات مضت عندما بدأت القاهرة وبغداد تبادل زيارات المسؤولين الرسميين ورجال الأعمال، توجت بزيارة لوزير التجارة العراقي محمد مهدي صالح مطلع كانون الأول ديسمبر الجاري، ليعلن الجانبان عن إقامة منطقة للتجارة الحرة وعقد اجتماعات مشتركة قريباً للبحث في الأمر. وصالح، الذي زار القاهرة 12 مرة منذ عام 1997 وجد ترحيباً مصرياً للتعاون ما جعله يتوقع أن يتجاوز حجم الصادرات المصرية الى بلاده بليون دولار سنة 2001، وتوقيع عقود مع شركات مصرية لإمداد العراق بحاجاته في إطار مذكرة النفط مقابل الغذاء. وتحتل مصر السنة الجارية المرتبة الرابعة على مستوى العالم في التعاون مع العراق بعد فرنسا وروسيا والصين، والشريك العربي الأول للعراق مع وصول قيمة التبادل التجاري سنة 2000 إلى نحو 950 مليون دولار من 20 مليوناً عام 1989، وتلي مصر في التعاون عربياً مع العراق، الأردن وتونس والجزائر والإمارات والسعودية والمغرب، وبدأ العراق سنة 2000 وللمرة الأولى شراء مواد بناء من مصر ودرس عروض عدة لشراء سيارات، علاوة على ما يشتريه من برامج تلفزيونية، وثمة اتفاق لاستضافة عراقيين في الجامعات المصرية. ويتوقع أن تشهد التجارة المشتركة ازدهاراً بعد إشادة الرئيس حسني مبارك أخيراً بالتعاون بين بلاده والعراق في سابقة منذ عام 1991. العلاقات المصرية - الدولية بنظرة دقيقة تحتل إيران المرتبة الأولى عالمياً في تعاونها الاقتصادي مع مصر فهناك الجديد الذي يمكن الحديث في شأنه بعد توتر دام نحو 20 عاماً. تمت زيارات رسمية وعلى مستوى عال، إذ لبى وزير قطاع الأعمال المصري مختار خطاب دعوة الحكومة الإيرانية في سابقة لحضور معرض المنتجات الإيرانية الذي أقيم في طهران في تشرين الأول اكتوبر الماضي. وتتجه العلاقات المصرية - الإيرانية إلى التحسن منذ عام 97 وبدأت الزيارات لوفود اقتصادية وأبرزها زيارة وفد اقتصادي في شباط فبراير 1998، وتوقيع الجانبين بروتوكولاً مشتركاً في مجالات الصناعة والاستثمار لدى زيارة رئيس اتحاد الصناعات الايراني علي خاموشي القاهرة في 13 حزيران يونيو من العام نفسه، وإجراء محادثات مع نظيره المصري عبدالمنعم سعودي، وهو أول بروتوكول يوقع منذ 20 عاماً بين الجانبين.