خام برنت يصعد 1.3% ويصل إلى 75.17 دولار للبرميل    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    6 فرق تتنافس على لقب بطل «نهائي الرياض»    ناتشو: كنا على ثقة أننا سنفوز على النصر    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    وفد طلابي من جامعة الملك خالد يزور جمعية الأمل للإعاقة السمعية    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    استقالة مارتينو مدرب إنتر ميامي بعد توديع تصفيات الدوري الأمريكي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    دوري روشن: التعادل الايجابي يحسم مواجهة الشباب والاخدود    الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مثقفونا وصدمة العولمة التي غدت تسم العصر : هل يمكن أن نجابهها من خارج الاسهام فيها ؟
نشر في الحياة يوم 17 - 12 - 2000


علي حرب.
حديث النهائيات - فتوحات العولمة ومآزق الهوية.
المركز الثقافي العربي، بيروت.
2000.
205 صفحات.
مصطلح "العولمة" الذي دخل سوق التداول الفكري منذ فترة، أصبح الأكثر رواجاً على الساحة الثقافية. وفرضت العولمة نفسها على أهل الثقافة والفكر، ومع هذا فهم ما زالوا يختلفون في فهم معنى المفردة، او يتخلّفون عن ذلك، فضلاً عن استيعاب الظاهرة!
فالعولمة ليست ظاهرة بسيطة يمكن تحديدها ووصفها بدقة.
انها جملة عمليات تاريخية متداخلة تتجسد في تحريك المعلومات والأفكار والاموال، بل الاشخاص، بصورة لا سابق لها من السهولة والآنية والشمولية.
ولا مبالغة في القول ان عالماً جديداً يتشكل معها، يترافق مع ظهور فاعل بشري جديد يعمل عن بُعد بسرعة الضوء ويتعامل مع شبكات الاتصال المعقدة والفائقة.
انه الانسان التواصلي الذي تتيح له الأدمغة الآلية والتقنيات الرقمية التفكير والعمل كونياً، وبصورة عابرة للقارات والمجتمعات والثقافات.
هذه الامكانات الشاملة والفتوحات الخارقة التي تطلقها العولمة تفتح آفاقاً جديدة للوجود والحياة، لكنها تشكل في الوقت نفسه تحديات ضخمة فكرية وتقنية، اقتصادية ومجتمعية، سياسية وأمنية، وتطرح أسئلة مربكة على المعنيين بتلك الشؤون، كما تطرح أسئلة مصيرية على الخصوصيات الثقافية.
ما مستقبل الهويات الثقافية في عصر المعلومة الكونية؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يحاول هذا الكتاب الإجابة عنه.
فقد غدت ثنائية الهوية والعولمة بؤرة السؤال في الأوساط الفكرية والدوائر السياسية، في الغرب كما خارجه ومنه عالمنا العربي. يشهد على ذلك سيل المؤلفات التي تتناولها من زاوية تأثيرها على الهوية والثقافة.
وهذه الثنائية تتجاوز المتعارضات التي كانت وما تزال متداولة من مثل: ثنائية التراث والحداثة، الأصالة والمعاصرة، الخصوصية والعالمية. ومن المفارقات ان بعض دعاة التحديث يتعاملون مع حداثة العولمة بصورة سلبية، بوصفها استباحة للقيم وغزواً للثقافات وتسلطاً على الشعوب والمجتمعات! في حين انها فتح كوني يتغير معه سير العالم عمّا كان عليه.
فمع الدخول في عصر الحاسوب يجري التعاطي مع العالم بأدواته المادية، عبر خلق عالم آخر أصبح يتحكم في الواقع ومعطياته عبر أنساق المعلومات وأنظمة الأرقام التي تجوب الفضاء البراني.
تلك مفاعيل ثورة المعلومات. انها تشكل واقعة العصر الأولى، كما يقول المؤلف، لدى من يحاول قراءة العولمة قراءة فعالة ومثمرة.
انها تخلق لأول مرة امكانية ان يتعامل الناس بعضهم مع بعض من دون وصاية.
ولعل هذا ما أخاف المثقفين والدعاة الذين طالما تعاملوا مع أدوارهم بوصفهم النخبة التي تمارس الوصاية على الهوية والثقافة، على المعرفة والحقيقة.
فخطاب الهوية خطاب حافل بمفردات الغزو والاختراق والاكتساح والمحو في وصفه العلاقة بين الثقافة الغربية والهوية الثقافية العربية. وقد عانت مجتمعاتنا الأمرّين من جراء الصراعات الايديولوجية، وتصدت لتمثيل الهوية والأمة نخب وشرائح نصبت نفسها وصية على القيم العامة.
وهذا ما أدى الى مزيد من الانقسام والشرذمة، بقدر ما كان شاهداً على عقم الفكر وهشاشة القوى المنوط بها تغيير الواقع وتحسين شروط الوجود.
فلا عجب ان تقف في مواجهة العولمة قوى ومذاهب متعارضة، تقليدية وحداثية، دينية وعلمانية: في البلاد العربية، بل حتى في دول متقدمة كفرنسا، تشن الحملات عليها باسم الهوية والثقافة تارة، والحرية والاستقلالية تارة أخرى، وتطلق مجموعة من القيم والافكار تحولت الى مجرد ايقونات وشعارات لكثرة استهلاكها.
ان الحداثة لا تنفي التراث، والعالمية لا تنفي الخصوصية، والعولمة لا تعني ذوبان الهوية الا عند ذوي الثقافة الضعيفة وأصحاب الدفاعات الفاشلة ممن يُلقون أسلحتهم امام الحدث فيما هم يرفعون شعار المقاومة والمحافظة.
ومن جهة اخرى هناك نرجسية عقائدية عند لفيف من المثقفين تزيّن لهم الدعوة الى "أنسنة" العالم وانقاذ الكون من خلال شرائعنا الدينية وتقاليد المحافظة الراسخة. في حين ان ما نملكه من تقاليد وقيم وأحكام عجز حتى الآن عن أنسنة العلاقات داخل مجتمعاتنا وبين طوائفنا ومذاهبنا، بين أحزابنا وتنظيماتنا، فضلاً عن العجز عن "أنسنة" العلاقة بين الحاكم والمحكوم. ويتساءل المؤلف: أليس الأولى بنا ان نعمل على أنسنة مجتمعاتنا وقيمنا وروابطنا؟
فمشكلة هويتنا الثقافية ليست في اكتساح العولمة للعالم، أو الأمركة كما يحلو لبعضهم ان يسميها، بل في عجزنا عن اعادة ابتكار هذه الهوية وتشكيلها في سياق المجريات والاحداث، في ظل الفتوحات التقنية والتحولات التاريخية، اي العجز عن عولمة هويتنا، وحوسبة اقتصادنا، وعقلنة سياساتنا.
تلك هي المشكلة التي يحاول ان يهرب منها دعاة مواجهة العولمة بحجة الدفاع عن الهوية والثقافة. وتماهياً في النرجسية الثقافية نجد ان من يدعون الى محاربة العولمة لا يجدون سوى تبجيل الذات ورجم الغرب وحضارته.
كل ما هو قيّم وايجابي عندنا، وكل ما هو سلبي عندهم! وهم لا يتورعون عن ان ينسبوا الى حضارتنا كل ما حققه الغرب من انجازات ومآثر، وعن ان ينسبوا كل عجزنا وأسباب اخفاقنا اليهم!
انه عصر العولمة. والعالم الذي يتشكل اليوم في ظلها يخضع لتحولات تنقلب معها القيم والمفاهيم، بقدر ما تتجدد القوى والوسائل والمؤسسات.
ومن هنا ينفتح الآن المجال لنشوء سياسات فكرية وممارسات معرفية تتجاوز ما كان سائداً، في عالم الحداثة والصناعة.
والذين لا يرون مثل هذا التحول الذي يطول الثوابت والبداهات، دفاعاً عن "الهوية"، أو تشبثاً بالتصورات الأزلية والماورائية، يفتقرون الى الرؤية، ويتمسكون بضعفهم بقدر ما يكتبون نهاية أفكارهم وأدوارهم.
انهم يهربون من مواجهة العولمة بالعودة الى الماضي والتراث بوصفه النموذج الأمثل. في حين ان ما يفعلونه عقم وتحجّر.
فالعولمة لا تدعونا الى نفي التراث أو استبعاده، بل تدعونا، أو لعلها تفرض علينا، ان نعيد قراءته ونوظّف هذه القراءة المعاصرة ضمن معطيات عالم يتغير.
ذاك انه لا يمكن إنكار التفاوت الحضاري بيننا وبين الغرب، حيث نشأت العولمة، بمحاربة العولمة، بل بابتكار معادلات وصيغ حضارية تمكننا من ادارة واقعنا وتشغيل عقولنا بحيث نحول مواردنا ومعطياتنا الى طاقات غنية ومشروعات مثمرة. أي، لا يمكن مجابهة العولمة إلا بالإسهام فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.