أخيراً، وبعد معارك سياسية وبرلمانية وضغوط استمرت سنوات، استطاع المحافظون في إيران اجبار الرئيس محمد خاتمي على قبول استقالة ألد أعدائهم وزير الثقافة والارشاد عطاء الله مهاجراني، بعدما عجزوا عن اقصائه عبر المساءلة البرلمانية عندما كانوا يسيطرون على المجلس بين عامي 1996 و2000. كما عجزوا عن اجبار مهاجراني على التنحي من خلال تعبئة الشارع وضغط التظاهرات في كل أنحاء إيران، وتزايد احتجاجات الحوزة الدينية في مدينة قم. فلماذا الآن يقبل خاتمي استقالة الوزير الإصلاحي، عشية التحضير لانتخابات الرئاسة المقررة في أيار مايو المقبل، والتي فتحت معركتها باكراً؟ قالت أوساط قريبة إلى مهاجراني ل"الحياة" إنها ترجح وجود "صفقة" أدت إلى قبول استقالة الوزير، تتمثل في اشتراط المحافظين لقبول ترشيح خاتمي للانتخابات، قبوله ترك مهاجراني وزارة الثقافة والارشاد، أو مواجهة خيار السعي إلى رفض ترشيح الأول عبر المجلس الدستوري الذي يسيطرون عليه. ولم توضح تلك الأوساط الجوانب الأخرى ل"الصفقة"، لكنها أكدت ل"الحياة" أن الملف القضائي ضد مهاجراني اغلق ولن يلاحق الوزير. وبدا أن هذه القضية كانت أساسية في تعاطي الرئيس مع موضوع الاستقالة، بحيث يحمي مهاجراني من الملاحقة القضائية، علماً أن المحافظين كانوا يعدون ملفاً لاتهام الوزير المستقيل بسوء الاستفادة من الأموال المخصصة للحج، التي يودعها الإيرانيون لدى الوزارة لتنظيم أمورهم المتعلقة بأداء الفريضة سنوياً. وكان أبرز الاتهامات استخدام الوزارة فوائد هذه الأموال لدفع كفالات مالية للقضاء من أجل الافراج الموقت عن الصحافيين الإصلاحيين الذين صدرت أحكام باعتقالهم، بسبب نشاطهم الصحافي بعد الاغلاق "الموقت" لعدد من الصحف بتهم "توجيه الاهانة إلى مقدسات دينية ومهاجمة النظام الإسلامي وإشاعة البلبلة وتضليل الرأي العام". وأكد مهاجراني في وقت سابق استعداده للمثول أمام القضاء للرد على الاتهامات الموجهة إليه كوزير وليس كشخص، مما أوضح أن فتح الملف المالي قضائياً يعني أن خاتمي سيبقي استقالة الوزير في مكتبه. في المقابل، جاء قرار خاتمي استجابة لرغبة المرشد آية الله علي خامنئي الذي أعلن مرات عدم ارتياحه إلى الوضع الثقافي في إيران، وتذمره من صحف وصفها بأنها تحولت إلى "قواعد للأعداء". ومن شأن تلك الاستجابة أن ترفع أسهم خاتمي لدى المرشد وتساهم في تعزيز العلاقة بينهما، ما يفتح بعض الآفاق أمام استمرار الحركة الإصلاحية وتطورها من داخل النظام، لا سيما ان خامنئي يؤيد "الاصلاحات الثورية" من دون الانقلاب على النظام. لكن تغييب مهاجراني عن وزارة الثقافة والارشاد يشكل انتصاراً واضحاً للمحافظين، سيستثمرونه في معركة الانتخابات الرئاسية لمصلحتهم، فيعملون لتصوير هذه الخطوة بأنها تراجع من خاتمي، وذلك سعياً إلى افقاده بعض رصيده أمام الرأي العام. ويدرك خاتمي هذه الأبعاد، وانطلاقاً منها أسبغ على قراره قبول الاستقالة نوعاً من التحدي للمحافظين، فعين مهاجراني مستشاراً له، رئيساً للمركز الدولي لحوار الحضارات، ليبقى للوزير حضوره السياسي. وجاء قبول الاستقالة متأخراً، إذ لم يبق من عمر حكومة خاتمي سوى خمسة شهور يغلب عليها طابع التحضير لمعركة الانتخابات. وليس واضحاً بعد مدى الآثار السلبية التي ستنعكس على التيار الاصلاحي بسبب ذلك القرار، وهل يفتح الباب لمزيد من الاجراءات ضد برامج خاتمي على صعيد الحريات، أم يساهم في تخفيف ضربات مقصلة القضاء المرفوعة ضد الصحف الاصلاحية. مصادر مطلعة في التيار الاصلاحي قالت ل"الحياة" إن إيران ستشهد ارتفاعاً كبيراً في حرارة التجاذبات السياسية على غرار "تلويح المحافظين بالسعي إلى عزل خاتمي دستورياً".