تراجعت أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي بشكل طفيف في نيويورك أول من أمس لكنها حافظت على المستويات القياسية التي بلغتها أخيراً لعقود الأشهر الأربعة الأولى من السنة المقبلة. وأبقى المحللون الباب مفتوحاً أمام إحتمال تسجيل ارتفاعات جديدة حتى نهاية فصل الشتاء الذي يبدأ في الولاياتالمتحدة في شهر تشرين الأول أكتوبر وينتهي في آذار مارس. استقرت أسعار العقود الآجلة في سوق نيويورك لتبادل السلع نايمكس لشهري كانون الثاني يناير وشباط فبراير أول من أمس عند مستوى أعلى قليلاً من ثمانية دولارات لكل ألف قدم مكعبة، مايعادل زيادة بنسبة 35 في المئة على أسعار كانون الأول ديسمبر الجاري، وذلك بعد أن بلغت في اليوم السابق 9.5 دولار مسجلة زيادة تاريخية تعادل أربعة أضعاف أسعار بداية السنة الجارية. وحسب اللوحة الالكترونية للسوق حافظت أسعار العقود الآجلة على مستوياتها القياسية حتى آذار ولم تنخفض تحت مستوى خمسة دولارات إلا في أيار مايو. وتنحصر هذه الأسعار في عقود تسليم "مجمع هنري" في مقاطعة لويزيانا جنوبالولاياتالمتحدة، إذ أن أسعار الغاز الطبيعي في مقاطعة كاليفورنيا راوحت بين 15 و18 دولاراً لكل ألف قدم مكعبة. وعزت إدارة معلومات الطاقة التابعة لوزارة الطاقة إرتفاع الأسعار التي تجاوزت مستوى أربعة دولارات في حال الصفقات الفورية في موقع الانتاج في حزيران يونيو الماضي وتخطت مستوى ثمانية دولارات للمرة الأولى في تاريخها في نهاية الاسبوع الأول من الشهر الجاري، إلى جملة من العوامل من ضمنها تأثر الغاز الطبيعي بأسعار النفط الخام. وذكرت الادارة في تقريرها للشهر الجاري أن أهم العوامل المباشرة التي أدت إلى الارتفاع القياسي في أسعار الغاز الطبيعي تتركز في مخاوف السوق الأميركية إزاء إحتمال عدم كفاية الامدادات لفصل الشتاء الحالي بسبب إنخفاض المخزون طوال فصل الصيف، مشيرة إلى أن إرتفاع الطلب بشكل مفاجئ كنتيجة متوقعه لتعرض الولاياتالمتحدة لموجة برد قارس من شأنها أن تدفع بالأسعار إلى مستويات قياسية جديدة. وحسب التقرير المشار إليه إنخفض مخزون شركات توزيع الغاز الأميركية بنحو 500 بليون قدم مكعبة عن مستواه في الفترة نفسها من العام الفائت. ويعادل هذا النقص 14 في المئة من إجمالي المخزون ويزيد حجمه بنحو 60 في المئة على متوسط الأعوام الخمسة الماضية الذي بلغ 299 بليون قدم مكعبة، علماً أن قسماً لابأس به منه يرجع إلى السحوبات التي جرت في أشهر الصيف وبلغ إجماليها في نهاية الاسبوع المنتهي في 24 تشرين الثاني نوفمبر 146 بليون قدم مكعبة. وعكس واقع المخزون إرتفاع الطلب على الغاز الطبيعي بمعدلات عالية لاسيما من قبل صناعة توليد الكهرباء التي يتوقع أن يزيد استهلاكها السنة الجارية بنسبة 18.6 في المئة وكذلك قطاع الصناعة المتوقع أن يزيد استهلاكه في الفترة المذكورة بنسبة 7.4 في المئة رافعاً معدل النمو في الطلب الاجمالي للعام إلى 3.7 في المئة وإجمالي الاستهلاك من 21.6 تريليون قدم مكعبة العام الفائت إلى 22.4 تريليون السنة الجارية. وفي مقابل النمو المسجل في استهلاك السنة الجارية الذي يعادل نحو ثلاثة أضعاف معدل النمو لسنة 1998 توقعت إدارة معلومات الطاقة ألا تتجاوز نسبة الزيادة في انتاج الولاياتالمتحدة من الغاز الطبيعي السنة الجارية 0.7 في المئة مايفسر سبب السحوبات المستمرة من المخزون علاوة على الزيادة الملموسة التي أظهرتها أرقام الواردات، لاسيما واردات الغاز الطبيعي المسيل التي تشكل نحو خمسة في المئة من إجمالي واردات الغاز الأميركية. وشهدت السنة الجارية تدفقاً نشطاً للغاز القطري المسيل إلى السوق الأميركية الذي بدأ في العام الماضي بواسطة الصفقات الفورية. وسجلت واردات الشركات الأميركية من الغاز القطري في الأشهر الثمانية الأولى من السنة زيادة بنسبة 140 في المئة، إذ بلغ إجمالي هذه الواردات 24 بليون قدم مكعبة مقارنة بنحو عشرة بلايين في الفترة نفسها من العام الفائت. ولم يكشف الزبائن الأميركيون أسعار الصفقات القطرية على رغم أن تعاقداتها تمت قبل الموجة الراهنة لارتفاع الأسعار. وعلى الصعيد نفسه تراجعت الواردات الأميركية من الغاز الجزائري إلى النصف تقريباً، اذ بلغت في الفترة المذكورة 29 بليون قدم مكعبة مقارنة بنحو 56 بليون في الفترة نفسها من العام الفائت و46 بليون في عام 1998، بينما لم يطرأ تغير على الغاز الاماراتي الذي لم تتجاوز مبيعاته لزبائن أميركيين شحنة واحدة تتسع لنحو 2.7 بليون قدم مكعبة. وتواجه مبيعات الغاز المسيل القطري والجزائري في السوق الأميركية منافسة حادة من مصادر انتاجية جديدة في نيجيريا وترينيداد بينما تسيطر كندا سيطرة شبه كاملة على واردات أسواق الولايات الشمالية الوسطى القريبة من مواقع الانتاج الكندية. وتشكل صادرات الغاز الطبيعي الكندية التي يتم نقلها كلياً بواسطة الأنابيب نحو 15 في المئة من إجمالي الطلب الأميركي وزهاء 90 في المئة من إجمالي الواردات الأميركية. إلا أن صناعة الغاز الكندية تعترف أن الارتفاع الحاد في أسعار الغاز يعتبر مؤشراً على فشلها في تلبية الحاجات المتزايدة للسوق الأميركية وتنحو باللائمة على إنهيار أسعار النفط الخام في عامي 1998و1999 الذي لم يمكنها من تخصيص تمويلات كافية للتنقيب عن الغاز في الأراضي الكندية. وبلغت صادرات الغاز الكندية في الأشهر الثمانية الأولى من الجاري 2.29 تريليون قدم مكعبة لكنها لم تسجل زيادة ملموسة عن الفترة نفسها من العام الماضي. وتواجه صناعة الغاز الأميركية مشكلة مشابهة تتمثل في تباطؤ عمليات التنقيب على مدى العقد ونصف العقد الأخيرين وتراجع الاحتياط الأميركي بنحو ثلاثة تريليونات قدم مكعبة في العام الماضي. وعلى رغم أن تجدد أعمال التنقيب في العام المذكور سيساهم في زيادة الانتاج بنسبة 3.9 في المئة السنة المقبلة، لكن توقعات الاستهلاك تشير إلى نمو بنسبة 3.8 في المئة 23.4 تريليون قدم مكعبة ما سيؤدي حسب إدارة معلومات الطاقة إلى زيادة صافي الواردات بنسبة 16 في المئة، نصفها تقريباً 7.3 في المئة في فصل الشتاء الحالي. ولم يستبعد محللون أن تؤدي شروط العرض والطلب الراهنة إلى دفع أسعار الغاز الطبيعي إلى مستوى 10 دولارات لكل ألف قدم مكعبة في الأشهر الباقية من فصل الشتاء مامن شأنه أن ينعكس إيجاباً على الغاز المسيل ذي الكلفة العالية الذي توقع تقرير أصدرته وزارة الطاقة أخيراً أن ترتفع وارداته الأميركية خمسة أضعاف في العقدين المقبلين لتصل في سنة 2020 إلى 390 بليون قدم مكعبة مقارنة بنحو 80 بليون قدم مكعبة في العام الماضي. يشار إلى أن الولاياتالمتحدة تنفرد بزهاء 25 في المئة من الاستهلاك العالمي للغاز الطبيعي وتتوقع أن يبلغ متوسط النمو في استهلاكها في الفترة من 2000 إلى 2020 نحو 1.6 في المئة.