صدمة من العيار الثقيل عاشتها الأوساط السياسية والشعب في الأردن عقب الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء عون الخصاونة التي فجرها وهو خارج البلاد في مهمة رسمية. ورأى مراقبون وسياسيون أن هذه الاستقالة خلطت الأوراق وجاءت لتعبّر عن عمق الأزمة السياسية التي يعيشها مطبخ القرار في بلد يشهد منذ أكثر من عام احتجاجات متصاعدة على وقع ثورات الربيع العربي. وفي خطوة لم تعهدها مؤسسات الحكم من قبل، خلت الاستقالة من أي عبارات بروتوكولية، كما أنها قُدمت من قبل وزير في الحكومة نيابة عن رئيس الحكومة الذي كان في تركيا، في حين حملت عبارات بدت لافتة، اذ قال الخصاونة للملك في آخرها: «هداكم الله لما فيه خيركم». مصادر سياسية تحدثت إليها «الحياة»، سارعت إلى الربط بين استقالة الخصاونة وخلافاته المتراكمة مع العاهل الأردني عبدالله الثاني في شأن موعد الانتخابات البرلمانية، اذ أصر الملك على إجرائها هذا العام، في حين رأى رئيس الحكومة المستقيل أن الأهم من الموعد إنجاز قانون انتخاب متوافَق عليه. وتزامن قبول استقالة الخصاونة مع إصدار الملك إرادة ملكية بتمديد الدورة العادية لمجلس الأمة لشهرين، بينما كان رئيس الحكومة في صدد الدعوة لدورة استثنائية بموافقة الملك. ويقول بعض المقربين من الخصاونة، إنه شعر بالغضب عندما علم أن الملك استدعى في غيابه وزيرين من حكومته وقّعا على إرادة ملكية تقضي بتمديد الدورة العادية للبرلمان شهرين. وكان الخصاونة اشتكى في غير مناسبة من وجود «حكومات ظل» تنافس حكومته على ولايتها العامة، وأخيرا نقل مقربون عنه شكواه من أنه لم يتمكن من الإفراج عن معتقلي الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح على رغم إلحاحه وضغطه، إلى أن أفرج عنهم الملك عبد الله بمكرمة ملكية. وشكَّل الخلاف بين الحكومة والملك نهايةً لسلسلة الخلافات داخل مؤسسات الحكم، لا سيما بين الرئيس المستقيل ومدير المخابرات فيصل الشوبكي في أكثر من محطة، بعدما لوح الخصاونة بالاستقالة مرتين في وقت سابق. ورفض الخصاونة، وهو القاضي الأممي، مرات عدة لجوء المؤسسة الأمنية إلى التصعيد مع المعارضة وعلى رأسها الحركة الإسلامية، الأمر الذي دفع مسؤولين في تلك المؤسسة إلى اتهامه أمام الملك بمحاباة الإخوان المسلمين على حساب المصالح العليا للوطن. وحكومة الخصاونة هي الثالثة التي تستقيل منذ اندلاع الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح، فقد استقالت حكومة سمير الرفاعي مطلع شباط 2011 قبل تكليف الملك معروف البخيت برئاسة الحكومة التي استقالت في تشرين الأول من العام الماضي لتخلفها حكومة الخصاونة. ويؤكد سياسيون أن الأردن دخل مرحلة أزمة سياسية جديدة على وقع تعثر مشروع الإصلاح السياسي المتزامن مع أزمة اقتصادية تمر بها البلاد كانت الحكومة تستعد خلالها لرفع أسعار الكهرباء والمحروقات. ولعل المفارقة التي يتوقف عندها مراقبون، أن رئيس الوزراء الجديد فايز الطراونة كان وزيراً للتموين في عهد حكومة زيد الرفاعي التي أقالها الملك الراحل الحسين بن طلال بعد احتجاجات دموية في مدينة معان ومدن الجنوب الأردني في ما يعرف ب «هبة نيسان» عام 1989، ليعود الى سدة الحكومة على وقع إحياء الشارع لهبة نيسان وسط حالة من الغليان الشعبي. وتنظر النخب السياسية إلى الطراونة باعتباره رجلاً يمينياً ينتمي إلى التيار المحافظ في الدولة، وهو تولى منصبَيْ رئاسة الديوان الملكي ورئاسة الحكومة مرة واحد قبل وفاة الملك حسين. ولا يتردد سياسي بارز في وصف الطراونة بأنه سياسي «مطواع»، وهو ثاني رئيس وزراء يعيده الملك بعد رئيس الوزراء السابق معروف البخيت. وأكد العاهل الأردني الجمعة أن تكليف الحكومة الجديدة «مرهون» بإنجاز إصلاحات ضرورية لإجراء انتخابات نيابية قبل نهاية العام الحالي. وجاء حديث الملك بعد يوم على قبوله استقالة الخصاونة بعد نحو 6 أشهر من توليه منصبه لتنفيذ إصلاحات في بلد يشهد منذ كانون الثاني 2011 تظاهرات واحتجاجات تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية ومكافحة جدية للفساد. وكان الملك اتهم صراحة رئيس وزرائه المستقيل بالتباطؤ بالإصلاح. وقال في رسالة وجهها له: «إننا نمر بمرحلة دقيقة وملتزمون أمام شعبنا والعالم بتحقيق الاصلاح المنشود، ولا نملك ترف الوقت». على الأرض لا تبدي المعارضة اكتراثها باستقالة الخصاونة وتعيين فايز الطراونة خلفاً له. والرد السريع على تكليف الطراونة عبَّر عنه الشارع الغاضب ظهر الجمعة بتظاهرات عفوية خرجت في عدد من المحافظات طالبت بإسقاط الرئيس الجديد قبل دخوله الدوار الرابع حيث مقر الحكومة. كما وجه المتظاهرون انتقادات لمطبخ القرار خرقت جميع السقوف. سالم الفلاحات المراقب السابق لجماعة الإخوان المسلمين، قال إن «إصرار النظام على تعيين رؤساء الحكومات، من شأنه أن يفاقم حال الغليان الشعبي». ورأى أن «الوضع في البلاد قابل للاشتعال في أي وقت، وأنه بحاجة إلى من يشعل عود الثقاب». وأضاف أن «ما يلف بلدنا اليوم هو أزمة الحكم وليست أزمة حكومات». أما المعارض البارز ليث شبيلات، الذي طالما وجه انتقادات لاذعة للنظام الأردني، فقال إن المملكة «مقبلة على انفراد كامل بالحكم من فرد»، معتبراً أنه «لا توجد مؤسسات تحكم في الأردن». وعقب استقالة الخصاونة أصدر شبيلات بياناً قال فيه إن «البلاد مقبلة على حكم نظام لا يبقي ولا يذر (...)». لكن الكاتب سلطان الحطاب رأى أن الملك استجاب لنداءات الشارع حينما أقدم على «إقالة» الحكومة، وبرأيه أن الحكومات الثلاث الأخيرة «ظلت تراوح مكانها في ما يتعلق بالإصلاح». وقال أيضاً إن «حكومة الخصاونة وصلت الى طريق مسدود مع الإصلاح، اذ لم يقبل أحد بقانون الانتخاب الذي قدمته وتعثرت كل القوانين التي قدمتها، كما رفض اعتبار أن الملك بات في مواجهة مع الشارع، بعد أن استقالت 3 حكومات عيّنها ولم تضع خطة واضحة المعالم للإصلاح، معتبراً أن الملك «استجاب لنداءات الشارع، وهو عندما وجد أن الحكومة تباطأت أقالها». ورأى المحلل السياسي والمستشار السابق في حكومة معروف البخيت ماهر أبو طير، أن استقالة الخصاونة شكلت صدمة للشارع الأردني ولمركز القرار في البلاد. وذهب إلى حد القول إن الاستقالة حملت رسالة «ابتزاز للمؤسسة الرسمية، وهو ما فسره قبول العاهل الأردني الاستقالة فوراً». وقال محمد المصري الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، إن «قرار الخصاونة الأخير أمر غريب ومفاجئ ويدل على وجود مأزق سياسي في داخل الدولة الأردنية»، معتبراً أن قرار الاستقالة والتعيين «أشبه برد فعل». ورأى المصري أنه «لا سجلّ مقنعاً للطراونة ليكون رئيساً للوزراء في مرحلة الربيع الأردني ومن أجل تقديم الإصلاحات المنشودة». وأضاف: «المعروف عن الطراونة أنه ليس سياسياً منفحتاً، بالتالي فهو يواجه تحديات كبيرة في إقناع الناس بمقدرته على الإصلاح». وكانت الأوساط السياسية وصفت قبل 6 أشهر تشكيل حكومة الخصاونة المستقيل على أنها حكومة «الفرصة الأخيرة» لاعتماد إصلاحات توافقية والخروج من الأزمة.