شيء غير عادي ولكنها الحقيقة! اتحاد المنستير الذي صارع من اجل تفادي النزول الى الدرجة الثانية في الموسم الماضي يتربع اليوم وحيداً في المرتبة الثانية للدوري التونسي، بعدما "أذل" اندية عريقة كالصفاقسي والملعب التونسي بثلاثية تاريخية لكل منهما، وهو يمتلك افضل هجوم ولا يقبل بتسجيل اقل من هدفين في كل جولة، ولاعبه سامي العروسي يحتل وصافة ترتيب الهدافين بستة اهداف يضاف الى كل هذا جائزة اللعب النظيف... عفواً ايها السادة من قال ان بورقيبة قد مات ونادي المدينة يتجه نحو القمة قبل مرور عام على وفاة مؤسس تونس ابن المنستير الرئىس الحبيب بورقيبة. لا احد يمتلك عصا سحرية بما في ذلك اهالي المنستير. ربما استفاد النادي من تراجع "النجمة الحمراء" بغياب البرازيلي سانتوس ولا واقعية الصفاقسي الذي لم يعرف كيف يستفيد من افضل رصيد بشري في الدوري، وكذلك عدم استعادة الافريقي لمكانته "الطبيعية". ولكن اتحاد المنستير تمكن من فهم المعادلة الصعبة المتمثلة بالتخلص من التوجه الدفاعي الشديد واعتماد الهجوم وببساطة مزاولة كرة القدم والفوز. وفي حين اجتاحت حمى الانتقالات غالبية الاندية التونسية كبارها وصغارها وبأسعار جنونية، فإن ابناء المنستير اعتمدوا على قواهم الذاتية ولم تتجاوز الموازنة الاجمالية لاستقدام لاعبين جدد 300 ألف دينار، وهي ثمن صفقة ضم لاعب واحد في الاندية الكبرى الاخرى. وهذا لم يمنع المنستيرية من تبني لاعب ذكي ومهاجم خطير، غادر ناديه الترجي التونسي حاملاً جرحاً عميقاً، يدعى سامي العروسي، وسجل ثلث اهداف النادي. ويقف خلف هذا الصعود نحو القمة مايسترو يعمل في الدوري التونسي بعيداً من الاضواء، ولكنه حقق المعجزات هو المدرب الجزائري علي الفرقاني، فبعد مسيرة موفقة مع الاولمبي الباجي استطاع الفرقاني ان يخلص اتحاد المنستير من عقدة الهبوط الى الدرجة الثانية، واللعب من دون استعراض ولا فنتازيا، والهجوم من اجل الانتصار ليصبح الابيض والازرق اليوم في نادي الكبار. تأسس الاتحاد الرياضي المنستيري عام 1942، يومها لم تكن المنستير سوى بلدة هادئة وصغيرة على الساحل التونسي الجميل، ولكن بعد استقلال البلاد وانتخاب ابنها الحبيب بورقيبة رئىساً مدى الحياة، تحولت محافظة المنستير الى المدينة الأهم في تونس بعد العاصمة فاستفادت من موازنات التنمية واحتل اهلها مناصب مهمة في الحكم. لم يكن بورقيبة من عشاق كرة القدم لكنه ادرك بحسه السياسي اهمية اللعبة في تعزيز صورته كزعيم ملهم للجماهير. تحمل المسؤولية الثانية في ادارة الترجي التونسي زمن الاحتلال ليفلت من رقابة الاستعمار الذي منع حزبه الدستوري من العمل السياسي العلني. وبعد الاستقلال بقيت عيناه على الترجي لشعبيته الكبيرة وعطفه على الاتحاد المنستيري نادي المدينة، وكان سكرتيره الخاص علالة العوشي مكلفاً بتنفيذ هذه المهمة، ومع ذلك بقي سجل النادي خالياً من التتويج في البطولة والكأس، باستثناء بلوغه الدور نصف النهائي لمسابقة كأس رئىس الجمهورية في العامين 1965 و1980. ويوم توفي الزعيم ودعته تونس بحرقة وألم وهي التي عاشت على صورته قرابة قرن كامل وكان حزن المنستير مضاعفاً وهي التي فقدت مؤسسها ورجل نهضتها الحديثة. ولأن ابناء المدينة يعشقون الحياة فقد قرروا الاستثمار في الرياضة وبدعم ومساندة مهمين من الدكتور عبدالوهاب عبدالله الاعلامي الاول في البلاد والناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية في العهد الجديد. توج اتحاد المنستير بثنائية الدوري وكأس كرة السلة في الموسم الماضي. ويسير اليوم نحو القمة في كرة القدم، هاتفاً مات الزعيم ليحيا النادي.