بعد القرار المبدئي الذي اعتمدته الحكومة الفرنسية في 26 تشرين الاول اكتوبر الماضي بانشاء مطار دولي ثالث من شأنه تخفيف الضغط عن مطاري "اورلي" و"رواسي" الباريسيين، يتعين على السلطات التريث حتى شهر حزيران يونيو المقبل لاختيار المنطقة التي ستستقبل هذا المطار. وجاء قرار انشاء المطار الثالث في اعقاب اشهر عدة من الجدل بين مؤيديه ومعارضيه داخل الحكومة الفرنسية اليسارية التعددية، وتضمن نوعاً من التسوية بين موقفي وزير النقل العام الشيوعي جان كلود غيسو المؤيد لانشاء المطار ووزيرة البيئة من حزب الخضر دومينيك فوانيه التي عارضته. وسعى القرار الى التوفيق بين مطلب غيسو وبين الشروط التي حددتها فوانيه لسحب معارضتها للمطار الثالث، وفي مقدمها ان يتم اختيار موقع هذا المطار عقب نقاش عام وعلني بين السلطات المحلية في المناطق المعنية وسكان هذه المناطق. ومن وجهة نظر فوانيه، فان المقياس الوحيد لاختيار الموقع ينبغي الا يكون محصوراً بتوافر المساحة اللازمة على الارض لانشاء المطار الجديد ومدرجاته، وانما ينبغي ان يترافق مع تحديد الآثار السالبة كافة التي قد يواجهها السكان المحليون من جراء الكثافة المرتقبة لحركة الطيران الجوي. ونزولاً عند رغبة فوانيه هذه، تشهد المناطق الست التي تتردد اسماؤها كمكان محتمل للمطار الجديد وهي: روفييه وشون وفاتوي وشاتو تييري وبوفيلييه وروفييه، دراسات ميدانية حول جدوى انشاء المطار على اراضيها، وتناقش لاحقاً على مستوى المؤسسات الوطنية، اي مجلس النواب والشيوخ والمجلس الوطني للنقل العام. ويُقر موقع المطار الجديد في صورة نهائية، في اطار المجلس الوزاري المصغر لتأهيل وتطوير المناطق الفرنسية، بعد موافقة سكان المنطقة التي وقع عليها الاختيار. ومنذ بدء الحديث عن المطار الجديد نشأت جمعيات اهلية عدة في المناطق المعنية، تدافع بعضها عن المشروع وترى فيه فرصة للتنمية الاقتصادية ولتوليد وظائف جديدة، فيما تعارضه جمعيات اخرى بسبب مشاكل الضجيج الناجمة عن حركة الطيران وفقدان الممتلكات العقارية في المناطق المجاورة له لقيمتها. وجاءت كارثة تحطم طائرة "كونكورد" في 25 تموز يوليو الماضي، لتدعم وجهة النظر الاخيرة، ولتبرز المخاطر التي يتعرض لها المقيمون قرب المطارات، بعدما ادى تحطّم هذه الطائرة عقب اقلاعها من مطار "رواسي" وسقوطها فوق بلدة غونيس الى سقوط 113 قتيلاً من بينهم اربعة على الارض. لكن غيسو مضطر، على ضوء واقع المطارين الباريسيين، للتعامل مع المسألة من زاوية اخرى، فالدراسات المتوافرة لدى وزارة النقل التي يتولاها تفيد بأن مطاري "اورلي" و"رواسي" المعدّين لاستقبال 55 مليون مسافر سنوياً، سيصلان الى درجة التشبّع القصوى بين عامي 2003 و2004، مما يؤكد الحاجة الى المطار الثالث، الذي سيتطلّب انشاؤه فترة لا تقل عن 15 سنة. ويشارك غيسو في هذا الرأي رئيس مجلس ادارة شركة الطيران الفرنسية "آرفرانس" وكذلك الشركة التي تتولى ادارة مطارات باريس "اي. دي. بي". وكانت حركة الركّاب في المطارين الباريسيين سجلت سنة 1999 نمواً بلغت نسبته 8.4 في المئة فيما سجلت حركة البضائع نمواً بلغ 6.7 في المئة. وفي محاولة للتخفيف من كثافة الحركة الجوية في هذين المطارين، سعت وزارة النقل العام الفرنسية الى تعزيز مطارات بعض المدن منها مثلاً مطار ليون، لتمكينه من تسيير رحلات عبر القارات. لكن هذه الاجراءات ليست كافية، للحؤول دون ارتفاع معدل حركة الطيران باتجاه رواسي، والتي تترافق المساعي الهادفة الى تخفيضها مع الحاجة المستجدة الى مدرجات قادرة على استقبال الجيل الجديد من الطائرات العملاقة التي سيبدأ تسويقها خلال السنوات القليلة المقبلة.