} تمثَّل معلم الطريق في دخول القرن الحادي والعشرين في "انفجار فقاعة اقتصاد الإنترنت"، على حد وصف شاع في الصحافة الغربية، وبدا أن الاقتصاد الجديد أقرب اتصالاً بالثوابت الاقتصادية وأبعد من صور الانفلات والتحرر الأثيري الذي طالما رطنت به الألسن. وتعبّر "مدينة دبي للإنترنت" عن محاولة فائقة الطموح لدخول الاقتصاد الجديد في الإمارة التي تدير ظهرها لاقتصاد البترول وحضرت في المقابلة مع السيد محمد القرقاوي أسئلة عن مرتكزات الطموح، وكذلك المخاطر والمخاوف والاحتمالات. بجسد مديد ميّال الى الامتلاء ووجه بملامح عربية يخالطها الابتسام والميل الى استعمال المصطلحات التقنية الإنكليزية، بدا السيد محمد القرقاوي مدير "مدينة دبي للإنترنت" ميّالاً الى التفاؤل والمزيد منه، في النظر الى مستقبل المشروع، بل وإلى مجمل التطلع المعلوماتي السائد في دبي. وشدد القرقاوي، في لقاء خاص مع "الحياة" أجري في الطبقة العلوية من المنصة الكبيرة لمدينة الإنترنت في معرض "جيتكس"، على أن البترول لم يعد يمثل سوى 18 في المئة من مداخيل الإمارة التي تعتبر الخدمات والتجارة الحرة، كمثل سوق جبل علي، من أهم مصادرها الاقتصادية. ويبدو مثال السوق الحرة في جبل علي ماثلاً في الأذهان والكلام. ويرى القرقاوي في مدينة دبي مدخلاً للقفز باقتصاد الإمارة اعتماداً على عتلات أبرزها الاتصال الجغرافي بأكبر حوض للطاقة البشرية في مجال المعلوماتية، أي الهند التي توصف بأنها "وادي السيليكون" الآسيوية، وأن مراكز مثل "حيدر آباد" و"بنفلور" باتت مقصداً للشركات الكبرى في المعلوماتية والاتصالات. ثم إن النسبة الأكبر من مؤسسي شركات الإنترنت في أميركا نفسها تأتي من الكادرات الهندية. وعلى قول القرقاوي، تتوسط الإمارة ذلك المنهل في الطاقة البشرية العارفة، والسوق الإلكترونية العربية والشرق الأوسطية التي يشير بعض المحللين الى احتوائها إمكانات اقتصادية واعدة. ومن المتوقع أن يعود هذا التوظيف الذي كلّف نحو 800 مليون دولار، باستثمارات مباشرة تزيد قيمتها عن 400 مليون دولار خلال العامين الأولين، ويعطي القرقاوي مثالاً على الأمر ويشير الى أن "مدينة الإنترنت" نجحت فعلاً في اجتذاب 193 شركة عالمية وإقليمية تمّ الترخيص لها فعلاً، وفيها اسماء بارزة مثل "أوراكل" ودل كومبيوترز" و"مايكروسوفت" و"كومباك" و"اي بي ام" و"سيمنز" و"صخر"... الخ. والأهم إرساء قاعدة عمل للمعلوماتية في الإمارات والمنطقة، ما يحفز الكادرات البشرية العربية والخليجية على التمكن العلمي ويرفع من الوعي الاجتماعي بالتقنية الإلكترونية، وتشكل تلك الأمور توظيفاً غير مباشر وبعيد المدى، على قول القرقاوي. وتضم مدينة الإنترنت مركزاً للبحوث والتطوير العلمي، وتطمح الى أن تكون منصة لقاء بين الكوادر العربية والشركات العالمية، ما ييسر عملية نقل التقنية والمعارف. يبقى أن المخاطر كبيرة. وفي بداية العام أدى قرار قضائي جزئي في أميركا، أي القرار الأول للقاضي بنفيليد جاكسون بإدانة "مايكرسوفت" بممارسة الاحتكار، الى انهيارات مالية كبرى في أسواق المال في العالم وتبخرت تريليونات من الدولارات في أقل من يومين. ويميل القرقاوي الى التفاؤل ويرى أن ثمة مكونات طبيعية صلبة في إمكانها دعم الاقتصاد الجديد في دبي، مثل البنية التحتية في المواصلات وتجارة الجملة المزدهرة على نحو ملحوظ. إذ تتدفق البضائع والسلع عبر المطار والمرفأ لتمر من دبي الى كل دول المنطقة. ويبقى التوجس مشروعاً بمقدار أهمية العزم والتفاؤل. فهل تنجح هذه التجربة في اقتحام البحر العاتي للاقتصاد الرقمي؟ وهل تقدر الشركات العربية على الصمود في سوق معرّضة للانقلابات ولوحشية رأس المال في الشركات العملاقة؟ وهل يسير التطور التقني والمعرفي المحلي على وقع الركب العالمي، فلا يخلّ به التفاوت؟ وهل تصدق توقعات خبراء المال والاقتصاد، أم يطرأ "شيء ما" لم يكن في الحسبان فتتغير الأرقام والقراءات؟ أسئلة كثيرة إجاباتها طيّ المستقبل.