بيروت - "الحياة" - في حين اعتذر المفكر ادوارد سعيد عن تلبية دعوة المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة وكان من المقرّر ان يحتفي به وبنتاجه، صدرت الطبعة العربية في بيروت من كتابه "خارج المكان" عن دار الآداب وفي ترجمة الكاتب فوّاز طرابلسي. والكتاب كما عرّف الناشر به "قصة استثنائية عن المنفى وسردٌ لارتحالات عدة واحتفال بماضٍ لن يستعاد. عام 1991، تلقّى إدوارد سعيد تشخيصاً طبياً مبرماً أقنعه بضرورة أن يخلّف سجلاً عن المكان الذي ولد فيه وأمضى طفولته. في هذه المذكرات، يعيد ادوارد سعيد اكتشاف المشهد العربيّ لسنواته الأولى - "أماكن عدة زالت، وأشخاص كثيرون لم يعودوا على قيد الحياة... باختصار، إنه أساساً عالم قد اندثر". فقد طرأتْ على ذلك المشهد تحولاتٌُ كثيرة إذ تحولت فلسطين الى إسرائيل، وانقلب لبنان رأساً على عقب بعد عشرين سنة من الحروب الأهلية، وزالت مصر الملك فاروق الكولونيالية الى غير عودة عام 1952. يحيي هذا الكتاب عالماً يصعب تخيله من الشخصيات الغنية الجذاّبة. إنه نصّ غنائيّ وجميل الصنعة، يبلغ أحياناً درجات عالية من الصراحة بقدر ما هو، في الآن ذاته، حميم ومرح. ويكتشف إدوارد سعيد فيه دقائق ماضيه الشخصيّ، ويستعرض الأفراد الذين كوّنوا شخصيته ومكّنوه من أن ينتصر ليصبح واحداً من أبرز مثقفي عصرنا". ويكتب فواز طرابلس في تقديمه: "خلال تعريبي مذكرات إدوارد سعيد، تابعتُ بعض أوجه الحملة التي شُنت على الكتاب والكاتب، فور نشر صفحات منه في الصحافة الأدبية الغربية، وعلى الأخصّ منها ما يتعلق بإنكار انتماء إدوارد سعيد الى فلسطين وملكيته لبيت عائلي في القدس. لستُ أريد الخوض في سجال مع هذه الحملة. أكتفي بالكشف عما تعنيه، وتذكّرنا به، هذه الحملة عن الصهيونية، فكراً وممارسة. رد الفعل الأول هو القول إن الحملة تنطوي على عملية اغتيال رمزية لجماعة بصيغة فرد: الإمعان في إنكار حق الفلسطينيين في فلسطين من خلال إنكار حق أحد أبرز وألمع مثقفيها في وطنه. لكنني أجد في تلك الحملة ما هو أبعد من ذلك. تنطوي الصهيونية على مضمر أساسي، بل وجودي، بما هي استعمار استيطاني. وهذا المضمر هو السرقة. حدِّثْ ولا حرج عن سرقة الأرض والتراب احياناً، كما في جنوبلبنان والمياه، والآثار التاريخية، والتاريخ ذاته، والذاكرة، والمأكولات من الفول والحمّص الى التبولة والفلافل، والعمارة، والعادات، والتقاليد الشعبية"