إذا كانت قطر تشاور نفسها وتدرس "بهدوء" مسألة إغلاق المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة، استجابة لرغبة قمة القاهرة وتضامناً مع انتفاضة الأقصى، ومسايرة لغضب الشارع العربي، فإنها بعد القمة أكثر تصميماً على بقاء المكتب، بل وإذكاء الحديث حوله على طريقة مسمار جحا. سعادة الدوحة بالضجة التي أثيرت حول قرارها "الاستراتيجي" في هذه القضية لم تستمر، فبعدما أغلق بعض الدول العربية مكاتبه التعاقدية مع إسرائيل، وجدت الدوحة نفسها في موقع الشريك المخالف للإجماع العربي، مما جعلها تفكر جدياً في الخروج من هذا المأزق، والبحث عن صيغة غير محرجة تنقذها موقتاً من قضية التمثيل التجاري لإسرائيل، إلى أن يعود الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات ويهدأ الشارع العربي. لكن دخول إيران على الخط غيّر رأي الدوحة وفتح لها آفاقاً جديدة في استثمار "مسمار جحا القطري" في شكل عملي، بعدما لوحت طهران برغبتها في نقل مقر القمة الإسلامية أو مقاطعتها، إذا لم ترضخ الدوحة لتطلعات الأمتين العربية والإسلامية. فوجدت الدوحة في الانتهازية الإيرانية مادة خصبة لإنعاش القمة الإسلامية وإعطاء اجتماعاتها ومشاوراتها قيمة، وخلق تحدٍ أمام بيانها الختامي. وبدلاً من أن تتحول القمة الإسلامية إلى منبر للمزايدات والخطب العصماء، وتخرج ببيان حافل بأفعال اطلع وعلم ودرس وقرأ، فإن مسمار الدوحة سيغير مسارها ويجعلها تنجح باغلاق المكتب التجاري الاسرائيلي في الدوحة، وتعيد بهذا القرار "التاريخي" ترتيب موازين القوة وتحرج إسرائيل وواشنطن وتضر مصالحهما... والأهم من هذا كله أن تتفوق على القمة العربية التي فشلت في إقناع الدوحة. الأكيد أن الدوحة ليست مع الإغلاق وليست ضده، وليست مع الفلسطينيين في هذه القضية ولا ضدهم، لكنها مع القرار الذي يصنع حولها مزيداً من الضجة، ويجعل قضية المكتب بحجم الانتفاضة، ولا مانع في أن يكون هدف القمة الإسلامية أو حتى هدف الانتفاضة ذاتها.