الكتاب: حورية العاشق شعر المؤلف: علي عبدالله خليفة الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ...2 على رغم تداخل الاستعارات، والكثير من تقنيات قصيدة التفعيلة بالصور العارية والتجريد اللغوي المحمّل ببلاغة طازجة، طالعة من عمق ذي دلالات أزلية من مثل "الحروق" "الفجر" "الرماد" "الرعود" "البروق" "التشفي" إلخ. فإن الاهمية في عمل الشاعر البحريني علي عبدالله خليفة هي للفكرة التي يقدمها على النص، وذلك للوصول بها وبخيط النفس الشعري الى مداه الأقصى. كما ان المعاني عنده لا تحضر في سياق تركيبي - فني فحسب، بل وتبني صياغاتها المتفردة في مساحات الصور والتعبيرات القائمة على استشفاف الفكرة من جو القصيدة العام، عبر مناخات يشيعها فيها، ربما متعمداً، عبر إيحاءات رمزية تجاور جماليات قد تقع في الظل من مثل "البحر" "اليابسة" "الطيور" "الاشجار" "الازهار" إلخ مما يجنبها العثرات ويمنحها اصداء جميلة مختلفة، ويبعث فيها حياة مملوءة بالضوء والحلم. ثمة نبرة ملحمية يستشفها القارئ في شعر خليفة منسوجة بنفس يهجس بالشغل التعبيري - اللغوي - الفني يتداخل لبناء عمارته اكثر من اسلوب كالتفعيلة والقافية، وبعض استلهامات الموزون. ويتقاطع مع اكثر من مدرسة وبعض محطات الزمن الحداثي الاول بدءاً من السياب، نازك الملائكة، أدونيس، وبعض المجددين في القصيدة العربية الكلاسيكية امثال: محمود درويش، سميح القاسم، ومحمد علي شمس الدين، وسواهم. تبدو الإيقاعات في مجموعة خليفة الجديدة "حورية العاشق" على بعض من ارتباك لا يؤثر عموماً في جو انسياب القصيدة وتسلسلها. ونلاحظ ذلك في سياق تنويع الشاعر للبحور والتفاعيل كما في قصيدة "الرقص حباً" والتي يبدأها على البحر "المتدارك" وتحديداً عند بدايتها "حديثك السوسن، ..." إلخ. ثم يليها مباشرة بالحبر "البسيط" إذ طغت الموسيقى على البناء العام للقصيدة، مما أظهر الشاعر كأنه في غفلة عن الإمساك بلحظة التركيب مأخوذاً بالحس الشاعري البحتْ، وهذا بالطبع هو الأهم. كما ان ثمة استعارات واشتغالات في النحت اللغوي كما في قصيدة "الرقص حباً" مثل "ممراح" "مغناج" "تنهرقين" إلخ قد نجد أصولاً لها عند سعيد عقل، إلا ان صلات توظيفها عند خليفة تأخذ منحى مغايراً، فتجيء مسنوحة بشغف العاشق ذي السريرة الودود، المقبوض عليها، إذ تتحرك بحرية ذاخل مفهوم الحب، ولا ترقى الى ذروة تمردها مهما كابدت، مما يجنّبها التلاشي او التبديد. يبذل خليفة الذي شفّه الالق للبوح الحميم "سنين العمر" مشياً وركضاً لتصبح الدنيا "بلا طعم" في حمى قلق العاشق الذي وإن "جالس الاشجار" فهو مفتون "بواحدة" وكأنما دعوته اليها لمحادثته، وحواره خير تعبير عن حس داخلي يهجس بحوارات وأحاديث طويلة دائمة يقيمها العاشق في عز ولعه وافتتانه بالمعشوق: "تحدثي، حاوريني، واشعلي افقي،... أحبكِ حتى كأني لم أذق أبداً / هوى المحبين ولا تعذّب الخافق النزق". يبدو علي عبدالله خليفة في قصيدة "في جلال النور" ويبتدئها ب"عيناكِ" على تماس جميل مع قصيدتي "أنشودة المطر" للسيّاب، وقصيدة "نهرا أحزان" لنزار قباني. هاتان القصيدتان المستهلتان ب"عيناكِ" إلا ان لكل منهما انهماماته التعبيرية، وإيحاءات شعرية متنوعة متداخلة بين الوطني والغزلي الشفيف عند السياب، والغزلي الانساني - الكوني عند قباني. إلا ان ما يميز خليفة في هذه القصيدة عدم انحيازه او وقوعه تحت تأثر اي من هذين الراحلين الكبيرين، إذ ظل مشدوداً الى عالمه الخاص، وانفعالاته الرهيفة ضمن الجو العام للقصيدة، مما اكسبها سحراً وتميزاً أعطى الشاعر خليفة حق التحاور، وأعطى القصيدة مذاقاً خاصاً اشتغل عليه حتى جعله صنعته المكونة من "أطياف ذكرى ما لها صُوَر". في قصيدتي "حورية العاشق... حرية المعشوق" و"قبّلتني الجديلة" يبدو خليفة كائناً بعيداً، والإمساك به ضرب من العبث، بعدما أهرق سنيناً بحثاً عن معشوق ما إن اقترب من معنى الرؤية المادية - العينية له حتى التقى "وجه السماء". وهناك في الإقامة البعيدة الوسنية "يرى خيال قنديل بزيت الله" فتنكشف أمامه الحقيقة التي تحتّم على الشاعر العاشق أن يبقي معشوقته في عالم قصي، صعب المنال. إذ يرى ان خير تعبير عن وجودها هو تشظيها، وتذريتها في كونية رطبة - سديمية، محترقة "بنور سرمدي / ليس اجدى من عناق النور / حتى الموت / في ليل طويل دونما انتهاء".