حملت الى دمشق "قضيتي" وهي باختصار ان تكون سورية ممثلة في كل محفل دولي. ولم يرفض كبار المسؤولين الذين قابلت الفكرة، ولكن كانت هناك دائماً "ولكن". قلت للسيد فاروق الشرع، وزير الخارجية، انني كنت أفضل ألا تغيب سورية عن مؤتمر الشراكة الأوروبية - المتوسطية في مرسيليا. وهو رد قائلاً انه كانت للحضور شروط لم تتوافر من الأوروبيين. الوزير قال انه اتفق مع وزراء الخارجية العرب خلال القمة الاسلامية في الدوحة على وضع شروط للحضور، نقلها هو الى وزير خارجية فرنسا هوبير فيدرين، بصفته أي الشرع الرئيس الحالي للمجموعة العربية. وطلب العرب عدم الاكتفاء بالبحث في القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وأصروا على التطرق الى القضايا السياسية. كما طلب السيد الشرع إلغاء عشاء "على ضوء الشموع" يحضره ايضاً شلومو بن عامي، وزير الخارجية الاسرائيلي بالوكالة ووزير الأمن الداخلي الذي يقتل الفلسطينيين. وأصر العرب كذلك على بيان أوروبي يدين الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية على الفلسطينيين. وكان رد فيدرين انه لن يلغي العشاء، وأنه إذا أصر العرب على بيان يدين اسرائيل، فهو سيدين العنف من الجانبين، وكان ان رفضت سورية حضور المؤتمر ورفض لبنان. قبل ذلك في بيروت قال لي الصديق محمود حمود، وزير خارجية لبنان، ان نتائج المؤتمر اثبتت صواب مقاطعة سورية ولبنان له. وأترك للقارئ ان يحكم بنفسه بين الحضور والمقاطعة، فحجة كل من الطرفين قوية. وعندما حضر السيد عمرو موسى، وزير خارجية مصر، المؤتمر لم يجامل الأوروبيين. وانما قال لهم في وجههم ان موقفهم "لا أخلاقي". وزاد ممثل فلسطين الدكتور نبيل شعث ان الموقف الأوروبي "لئيم". حضور العرب مؤتمر مرسيليا، أو الغياب عنه، مسألة يجوز فيها القولان، كما يرى النحويون. ووزير الاعلام السوري السيد عدنان عمران، وهو خبير قديم الخبرة في مثل هذه المؤتمرات يقول ان الشراكة الأوروبية - المتوسطية بديل هزيل من الحوار العربي - الأوروبي. ما لا أرى فيه رأيين هو ضرورة حضور سورية، وهي تسير نحو انفتاح اقتصادي يغازل حرية السوق، كل مؤتمر اقتصادي عالمي، حتى اذا لم تكن له علاقة مباشرة بها، فالحاضرون يسمعون ويتعلمون، وربما يقتبسون لبلادهم. لست خبيراً اقتصادياً، وبحكم عدم خبرتي فأنا أحاول ان أحضر بعض المؤتمرات الاقتصادية لأعرف ما يدور حولي. واستطيع تحديداً أن اتكلم عن منبرين أتمنى ان أرى السوريين فيهما، وقد اخترتهما لأنني أعرفهما مع تقديري ان ثمة عشرات المنابر المماثلة التي تتطلب حضوراً سورياً. هناك المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، وأنا أتابع أعماله كل سنة بين كانون الثاني يناير وشباط فبراير. وشارك في المؤتمر الأخير اكثر من مئة رئيس دولة وحكومة، بينهم الرئيس كلينتون وقادة أوروبا الغربية والوسطى ووسط آسيا والشرق الأقصى وغيرهم. وكان هناك الملك عبدالله، وولي عهد البحرين الشيخ سلمان بن حمد وأبو عمار ووزراء عرب كثيرون، وحضر في السنوات السابقة الرئيس حسني مبارك. هل أطمع أن أرى الرئيس بشار الأسد في المؤتمر المقبل؟ هناك فرصة للتعارف مع رؤساء آخرين وتبادل الآراء تحت قبة واحدة. مع وجود مئات من رؤساء الشركات، وبعضهم يتعامل بما يزيد على الدخل القومي لسورية ولبنان والأردن مجتمعين. أكتب وأتصور ان تزحف "ولكن" سورية على الموضوع، فهناك اسرائيليون، وقد نكد علي ذلك المنتجع السويسري الرائع بنيامين نتانياهو يوماً. ولكن وهذه من عندي هذه المرة يستطيع المسؤول السوري أو رجل الاعمال ان يحضر مؤتمر دافوس من دون ان يختلط بالاسرائيليين أو يحدثهم. ولو ان كل عربي تصرف بالطريقة السورية لأخلينا الميدان في دافوس وغيرها للاسرائيليين. والمثل الآخر من خبرتي الشخصية هو البنك الدولي، فأنا عضو في مجلس مستشاريه للشرق الأوسط وشمال افريقيا. وبحكم هذه العضوية استمع على مدى يومين أو ثلاثة كل سنة الى بعض أعظم العقول الاقتصادية العربية والاجنبية، واسجل ما اعتقد ان فيه فائدة للقراء، وأنقله في هذه الزاوية، أو احتفظ به لدراسة أو محاضرة. الحضور السوري في المنتدى الاقتصادي العالمي وفي مجلس خبراء البنك الدولي محدود جداً، واعتقد انه كذلك ايضاً في منابر مماثلة لا أتابع عملها. أزعم ان سورية لا تستطيع ان تكون جزءاً من العولمة واقتصاد السوق والانفتاح بالمراسلة، وأزيد أنني أرجو الا تتباطأ وتيرة الاصلاح بعد ان أصبح الدكتور بشار الأسد رئيساً. عندما كان الدكتور بشار خارج قصر الرئاسة كان يضرب بسيف أبيه، ولعب دور "معارضة" من داخل الحكم، ونفذت تحت اشرافه خطوات جريئة سريعة في مكافحة الفساد والحد من تجاوزات أبناء بعض المسؤولين، مع اصلاح الإدارة والاقتصاد. اليوم الدكتور بشار هو الحكم، والصورة من الداخل دائماً غير ما هي من الخارج، وهناك حرس قديم يدافع مستميتاً عن مصالحه، وأنصفه فأقول ان المحرك ربما كان عقائدياً صرفاً، فكثيرون رضعوا حليب الاشتراكية ولم يفطموا عنها بعد، رغم قضاء الاتحاد السوفياتي غير مأسوف عليه. أغرب ما رأيت في سورية ان أنصار الانفتاح ومعارضيه لا يحكمهم "ستيريوتايب" الشيب والشبان، ومن درسوا في بلدان المعسكر الاشتراكي ومن درسوا في الغرب، فنائب الرئيس السيد عبدالحليم خدام يؤيد الانفتاح، وكذلك يفعل رئيس فرع الأمن الداخلي الدكتور بهجت سليمان الذي لا تمنعه دراسته في رومانيا من ان يتحدث بنفس اصلاحي واضح يؤيد الانفتاح. وفي المقابل هناك مسؤولون ليسوا كلهم شيباً درسوا في الاتحاد السوفياتي، شعرت وانا أتحدث اليهم بأنهم لم يسمعوا ان المعسكر الاشتراكي انتهى، وان ثمة سباقاً على اقتصاد السوق في ظل عولمة أراها شراً لا بد منه. أغرب من آراء هؤلاء المسؤولين ان بعضهم في مركزه من أشهر قليلة، ولا أعرف اسلوب التعيين أو مواصفاته، ولكن أقول ان ثمة خطأ يحتاج الى علاج فوري. أخيراً، فقد كتبت من دون اصرار على ان رأيي هو الرأي الصحيح، أو الوحيد، فهو اجتهاد يشجعني عليه ان علاقتي بالمسؤولين السوريين جميعاً وثيقة الى درجة ان استطيع إبداء رأي مخالف أو مختلف من دون ان تهتز هذه العلاقة لحظة. وقد عرضت اليوم "قضيتي" في سورية، وغداً أعرض "قضية" السوريين.