في إطار مهرجانات العام 2000 التي أقامتها مدينة شارتر الفرنسية، أفردت الهيئة المنظمة مكاناً خاصة لأعمال استعادية للفنان اللبناني موسى طيبا بحضوره، والأعمال المعروضة منتقاة من نتاجات الفنان بين العامين 1986 - 1999 أنجزها خلال سكنه في المدينة الفرنسية. عرضت الأعمال في قاعة "كوليجيال سانت اندريه" التاريخية، ووزع كتيب يضم صوراً لبعض اللوحات وتعريفات من محمد يوسف بيضون الوزير السابق للثقافة في لبنان الذي ركز على شعرية لوحات طيبا، ومن باسكال أوري عمدة المدينة الذي وصف موسى طيبا بأنه مليء بالعلامات الروحية، فناً وشخصاً. حضور ناجح للفنان، لكنه كتب هذه الكلمة ل"الحياة" منطلقاً من فترة نجاح ليطرح سؤالاً صعباً على الابداع التشكيلي وكل ابداع. كتب الآتي: "أتصبح المهنة فناً بكل معاصرة وتكنولوجيا وعلوم وحداثة؟ أتصبح "الأنا" والصنعة فناً؟ أيصبح ما نقلده ونُركِبهُ ونجرده ونبتكره فناً؟ أتصبح العبادة والعبودية فناً؟ أيصبح العيث والمجهول فناً، وما هو الفن؟ ذلك ما لم نعلمه... وذلك ما تراودني معرفته واجابة ما أسأله. لكنني قد اعتدت على حوار الذات لشبه محاكاة صورة الفن وجدليّته. منذ ثمانية آلاف سنة لم نهتد بعد الى الفن. ما عملناه وما نعمله ونشكله ونجسمه حتى اليوم ليس من الفن بشيء وان سألتني فأنا أجهل تعريف الفن. فنحن البشر نعتاد على الخطأ حيث يصبح الخطأ صواباً. منذ 43 سنة تقريباً عشت تقاليد سبل الفن ووصاياه من الدارسين والمعلمين والطبيعة والانسان فرسمت وشكلت واقتبست وانفعلت وانجزت وسافرت ودرست وتفاعلت وعرضت ودققت وداعبت وتحاورت وتعلمت وتجادلت وتخايلت والى تاريخه اعكس مسار ذاتي وفكري بلحظاتٍ من الحرب والحب والسلم... وقد تابعت المسيرة وتوقفت عند عديد الاتجاهات لاشكال الفن ومراياه المتوارثة العابرة من الشرق الى الغرب ومن الغرب الى الشرق. لكنني مع كل ذلك انساق مع الرؤى وتحملني اللحظات الداعيّة اليه وكأنه متابعة العبودية للفن بكل قوة وضعف وكبير شوق نحوه وبجدليّة داعية لمذاق اشعة بارقةٍ بالالوان وظلام عابق بأريج الرغبة المعطاء. هكذا باختصار اعيش أيامي واجزاء حياتي امشي واتكلم وارسم واسافر واعرض واشاهد هذيان الفن. لكنني أجهل ما أرسمه وألونه واشكله خلال اليقظة والنوم وكأن الفن عندي لغة غير مقروءة او محسوسة. كأن الفن هنا يتم داخل محراب الذات هو شيء كجوهرة حيّة مغلفة بهالة الموت وهاجس الطريقة الى الفن هي دائمةٌ عندي وغير اكيدةٌ بالوصول. ما نعمله حتى اليوم في الشرق والغرب ولو كان ابداعاً وتفوقاً ومهارة فهو لا يعني الفن ولا يقاس بالفن ذلك اننا نستمر مع دوران الشمس. فهل الفن شكل من أشكال الغيب المجهول. لكنني ضعيف جداً على تراب الأرض وأخشى ما أقوله وأرسمه. وهل الفن داخل الذات الملتصق الصامت ومعه لن نستطيع نشكيله وأبعاده. ولم أمتْ بعدُ، ولم أنتهِ، وإنني لأكيد برؤية نحو هالةٍ لمربع غامضٍ دائم بالإشراق".