لوحة كبيرة من جزأين في صدارة القاعة. وجهان بالملامح نفسها مع تغيير في توزيع الدرجات اللونية، يحل الأبيض مكان الأسود ويحتل الأسود مكان الأبيض، وثمة مساحات رمادية تنشأ بين هذه التقاطعات الحادة لتشكل معالم المشهد. وجه واحد يتكرر في عدد من اللوحات، وإن اختلف السياق التركيبي لكل لوحة على حدة. لوحتان فقط تكثفان المشهد وتحصرانه في نطاق الوجه الأنثوي وتضاريسه الناعمة. في حين تتسع دائرة الضوء شيئاً فشيئاً في اللوحات الأخرى، لتكشف عن معالم أخرى من هذا الجسد. سيقان ملتوية وأذرع ممتدة، وعيون واسعة تحدق في المجهول. وجوه حالمة ذات ملامح هادئة تتأرجح بين النوم واليقظة، وجوه يلفها السكون ويغلفها اللون بهالة من الأسى والغموض. اللون وتوزيع العناصر يفرضان حالة من الترقب والهدوء الحذر بين وشائج هذه المساحات ذات القطع الكبيرة التي عرضت أخيراً في قاعة «أيام» في القاهرة لأعمال الفنان السوري صفوان داحول. ويعد داحول أحد أبرز الفنانين على ساحة التشكيل السورية. تخرج من كلية الفنون الجميلة عام 1983 ثم سافر إلى بلجيكا لاستكمال دراساته العليا هناك ليحصل على درجة الدكتوراه عام 1997 ومنذ منتصف التسعينات وهو يتقدم بخطى ثابتة ومؤثرة في المشهد التشكيلي في سورية. أقام داحول لأعماله الكثير من المعارض الفردية، كما شارك في عدد من المعارض الجماعية داخل سورية وخارجها. وتتخذ أعماله منحى تعبيرياً، كما تعد المرأة أحد أبرز العناصر في لوحاته. تميل ألوان داحول إلى نوع من الزهد والتقشف، وعرف أيضاً بأعماله ذات الطبيعة البنائية المحكمة في تصميمها، وكذلك بميله إلى تكرار العناصر التي يرسمها في اللوحة الواحدة. وهو يصف ذلك الميل إلى التكرار قائلاً: «أنا لا يخيفني التكرار كثيراً لأسباب عدة، منها أنني لا أجرب شيئاً جديداً على المخيلة، وإنما أفعل شيئاً مجرباً سابقاً في فنون الحضارات القديمة كافة، مثل الآشورية والبابلية والفرعونية التي تتحدث عن قصص نعيدها دائماً ونراها، خصوصاً في الفن الفرعوني. وعن ميله إلى التقشف في استخدام درجات اللون، يقول : «مررتُ بفترات كانت ألواني فيها تميل إلى الرومانسية والحلم، استخدمت فيها درجات مختلفة من اللون، كالأزرق والأصفر وغيرهما من الألوان الحالمة، ولكن مع الوقت تأخذنا الحياة إلى مناح أخرى لا نتوقعها فتتغير نظرتنا إلى الأشياء. وحين أنجز اللوحة، أقدم شيئاً يشبهني في النهاية، لأنني غالباً أميل لأن أكون متقشفاً في كل شيء، فأنا أميل إلى الألوان التقشفية لأنها تشبهني أكثر». وهذه المرة الأولى التي يعرض فيها داحول أعماله في القاهرة، وبلوحاته افتتحت قاعة «أيام»، ليضاف إلى رصيدها فرع رابع منذ أن تأسست في دمشق عام 2006، علماً أن لها فرعين آخرين في دبي وبيروت. وتعد قاعة «أيام» حالياً من أشهر القاعات في الشرق الأوسط وأكثرها احترافية. وترى مصممة الأزياء المصرية ومديرة القاعة حنان الشافعي أن القاعة تمثل إضافة جديدة للمشهد التشكيلي في القاهرة، بفنانيها المعروفين على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك بأسلوبها الخاص في تبني هؤلاء الفنانين وتقديم الدعم لهم على مستوى الدعاية والتسويق. وهو نهج شائع في صالات الفن في أوروبا والغرب عموماً. وتضيف: «نأمل بأن نضيف إلى فنانينا المعروفين أسماء أخرى من خلال وجودنا في القاهرة والالتحام بالمشهد التشكيلي المصري بشبابه وفنانيه الكبار».