يرى رجال الأعمال الشباب في سورية أن "نجاحهم هو نتيجة مقدرة فردية واجتهاد شخصي" وهم اليوم بحاجة الى "دعم مؤسساتي للقيام بمشاريع جديدة وتوسيع مشاريع قائمة أو تمويل مواد أولية"، وتطالب غالبيتهم بإقامة مصارف خاصة تقدم لهم الدعم المالي الذي يحتاجون. ويدرك زائر شركات الجيل الشاب مدى اختلاف هذا الجيل عن جيل آبائه وأجداده. فعلى رغم ما يعرف عن "الشوام" وشطارتهم في التجارة منذ أزل التاريخ غير أن مفرزات القرن العشرين تركت بصماتها على كل شيء حتى على طريقة وأخلاقية وسلوك التجار الجدد. واليوم يوجد في سورية ثلاثة نماذج للجيل الجديد من التجار النموذج الأول يضم أبناء التجار الذين ورثوا المهنة "أباً عن جد" ولا يزالون محافظين على أسلوبهم في "عراقة المهنة" التي تعتمد على الكلمة والثقة والوسائل التقليدية في إبرام الصفقات وغالباً ما تكون أعمالهم ترتكز على الصناعات والمهن المعروفة تاريخياً في دمشق مثل لوازم الخياطة وبيع الأقمشة والبزورية والخيوط والنسيج. وهؤلاء تنصب اهتماماتهم على ركود الأسواق وتراجع حركة البيع والشراء غير آبهين بمقولات "العولمة" و"الشراكة الأوروبية" و"اتفاقية التجارة الحرة" وغالبيتهم لا يعرف ما تعني و"لكن عندما تأتي يحلها الله" كما يقول أحد التجار في منطقة الحريقة العاصمة التجارية لدمشق. ويشرح غياث الخطيب 1966 ابن عائلة تجارية معروفة في سوق الخياطين وسط الحريقة "صار لي في السوق اكثر من 17 عاماً، تركت المدرسة بعد الإعدادية لألتحق بالعمل الذي أحببته منذ صغري وتربينا على تقاليد معينة في العمل ما زلنا نمارسها حتى اليوم فالتاجر "كلمة" والآن أستطيع أن أسحب عبر التلفون عدة ملايين من السوق نتيجة الثقة التي عرفت عنا خلال السنوات السابقة". ويؤكد غياث أنه يحافظ على كلمته مهما كانت الخسائر لأن "كلمة التاجر ليست لعبة بل هي أكثر من عقد". وعلى رغم اعترافه بتغير قوانين العمل في الفترة الأخيرة حيث صار المثل "لاعبني لأغلب" غير أنه يصر على "استمراره في الأخلاقيات والسلوكيات التجارية التي تعلمها من والده ومن السوق". وفي المقابل، يدرك النموذج الثاني من التجار، وهو جيل زاوج بين "الشطارة التجارية" المعروفة تاريخياً وما تطرحه الحضارة من أساليب جديدة في الدعاية والتسويق وعقد الصفقات، التغيرات الجديدة التي أفرزها الوضع التنافسي الجديد مما يدفعهم للابتعاد عن "روح الملكية العائلية" الموجودة حالياً في المؤسسات العاملة في التجارة والصناعة ويتجهون للعمل شركاء "لأن المخضرمين من التجار الكبار اعتادوا على آلية اقتصادية سادت في عقود سابقة لم تطلب منهم سوى محاكاة سوق داخلية محدودة". ويتجه هذا النموذج للعمل في مجالات التجارة والصناعة وتبقى مشاريع المطاعم وورشات الخياطة هي المفضلة لديهم. يقول كريم حسيبي صاحب سلسلة مطاعم للوجبات السريعة "العالم يتغير بسرعة ونحن نحتاج الى فهم للواقع ومسايرة متطلبات العمل في ظل الظروف الجديدة"، مشيراً الى "أن أفكار الشباب وحماستهم ومقدرتهم على الابتكار والتجدد تضمن لهم النجاح"، فيما يؤكد رجل الأعمال عرفان دركل الذي يملك عدة محال تجارية إضافة الى شراكته مع عدد من رجال الأعمال المعروفين أهمية التكنولوجيا الحديثة في عمله "فأنا أراسل مئات الشركات عبر الإنترنت وأحصل على السعر الذي يناسبني في وقت قياسي وأستطيع أن أفتح الاعتماد فوراً وأستطيع أن أتواصل مع الآخرين عبر الموبيل". ويبقى المطلب الأول لهذا النموذج هو الحصول على قروض وتسهيلات مصرفية وسوق للأسهم تناسب أعمالهم ومشاريعهم. ويؤكد النموذج الثالث من رجال الأعمال الشباب والذين نجحوا في طرق أبواب جديدة من مجالات العمل مستفيدين من تقنيات المعلوماتية التي دخلت البلاد حديثاً "المعلوماتية هي المجال الأكثر جذباً لجيل الشباب وهي فتحت لنا مجالات كبيرة للنجاح بعيداً من المنافسة مع الجيل القديم غير القادر على التعامل معها"، إضافة الى توفير فرص عمل وتحقيق رخاء مادي عادة ما يعجز العاملون الشباب في مجالات أخرى عن تحقيقه إلا بعد مضي سنوات طويلة من الخبرة والسمعة. وكان دخول الإنترنت والكمبيوتر الى البلاد ساعد على خلق مجال جديد للعمل يقول عبدالرحمن سعيد 33 سنة "لا يستطيع الاقتصاد السوري الذي عانى انكماشاً في السنوات الماضية التصدي لهذا التحدي إلا أن أحد قطاعاته على الأقل لا يزال قادراً على استيعاب المزيد من العمالة وهو قطاع المعلوماتية". ويضيف "تتنوع فرص العمل في هذا المجال في صورة كبيرة تبدأ من مستوردي تكنولوجيا أجهزة المعلومات وآلاتها الى مركبيها ومجمعيها والمبرمجين ومطوري النظم إضافة الى تجارة قطع الكمبيوتر والأقراص الليزرية". وتتفق نماذج رجال الأعمال الجدد في نظرتهم المتفائلة للمستقبل من خلال وجود قيادة شابة قادرة على التواصل معهم، وتشير غالبيتهم الى أن القرارات التي صدرت أخيراً تتجه في منحى تنشيط الاقتصاد الوطني ووضعه على سكة النمو والانفراج وتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية خصوصاً تعديل قانون الاستثمار رقم 10 وإظهار الموازنة السنوية في الوقت المحدد. ويأملون "أن كل هذه القرارات والتعديلات خطوة في الاتجاه الصحيح سيتبعها خطوات أخرى ومنها السماح للمصارف الخاصة أو المشتركة في المنطقة الحرة وفي البلد ككل مع تفعيل دور المصارف المحلية والمصرف المركزي في عملية توحيد سعر القطع والسيطرة الكاملة على تسعيره في سورية والبلدان المجاورة كصمام استقرار للحركة التجارية". وعلى رغم حماسة هؤلاء الشباب في الانفتاح على كل ما هو عصري وحديث والإسراع في عملية الإصلاح غير أن غالبيتهم يدركون أن سياسة الخطوات المتتابعة "سياسة مقبولة وناجحة" لكي "لا نواجه ما واجهته الدول النامية الأخرى حين انتقلت من سياسة اقتصادية مغلقة الى سياسة السوق بصورة جذرية مما ألحق أضراراً جسيمة باقتصادها وبوضع مواطنيها المتردي"، يقول كريم "يتيح الانتقال المتدرج فرصة للتأقلم مع معطيات السوق الجديدة خصوصاً أن السوق السورية والشرق أوسطية ستكون شريكاً كاملاً للاتحاد الأوروبي انتاجاً واستهلاكاً". والشباب الجدد يهتمون بنوعية البضاعة وكلفتها وجودتها "لتستطيع منافسة البضائع العربية والأجنبية" كما يقول دركل، ويضيف "تعودنا على فترة من الحماية وتصدير بضائع نمطية الى روسيا والدول الشرقية واليوم نجد أنفسنا في مواجهة صعبة وعلينا أن نكيف أنفسنا فنحن مفتوحين على منطقة لم نستطع أن نواكبها لا بقراراتها ولا بقوانينها". لافتاً الى أنه "لم تبق وسيلة اتصال في العالم كمالية بل هي ضرورية إذا أردنا ان نواكب العالم الجديد". ويدرك التجار الشباب الحاجة الى تعلم مهارات كثيرة في مقدمها اللغات الأجنبية والتعامل مع الإنترنت والفيزيت كارت وبطاقات الاعتماد وغيرها "إذا أردنا لصناعتنا أن تكون قادرة على المنافسة في سوق الشرق الأوسط الجديد". كما يقول عبدالرحمن الذي يؤكد الحاجة "الى التدريب الرسمي في إدارة الأعمال لدى الشبان من التجار الذين يعرفون بضع كلمات أجنبية في أحسن الأحوال"، ويطالب بتجاوز إشكالية اللسان والتدبير استعداداً للمرحلة المقبلة.