تظهر مسيرة الانتفاضة، ان اسرائيل تواصل خطتها التي وضعها العسكريون، وخلاصتها الضرب بشدة، وايقاع خسائر يومية عالية بالفلسطينيين، وتحميل الفلسطينيين اعلامياً مسؤولية القتل والعنف، وكل ذلك من أجل كسر ارادتهم، ودفعهم للعودة الى المفاوضات على أساس ذلك، وهذا يعني عودتهم الى المفاوضات من أجل التسليم بالخطة الاسرائيلية للحل النهائي والتوقيع عليها، وهو ما يرادف اعلان الهزيمة الفلسطينية الكاملة. ولكن الوضع على الأرض لا يقود الى هذه النتيجة التي يتمناها الاسرائيليون. الوضع على الأرض يظهر ان اسرائيل تواجه وضعاً صعباً لا يقل صعوبة عن وضع الفلسطينيين. وقد دفع الأمور نحو هذا الوضع قدر عالٍ من الاستعداد الفلسطيني للتضحية يعبر عنه هذا السيل اليومي من الشهداء، والذي ينتهي عادة بتشييع شعبي لهم، تسيطر عليه عاطفة نضالية متأججة، تقود الى اندفاع نضالي جديد، بدل ان تقود الى احباط نضالي يتمناه الاسرائيليون. واضافة الى هذه الروح النضالية العالية التي يراقبها الاسرائيليون بدهشة، استطاعت الانتفاضة ان توقع بالاسرائيليين خسائر موجعة، بشرياً واقتصادياً. واضافة الى هذه الخسائر فإن اللوحة السياسية داخل اسرائيل لوحة مفككة: حزب العمل الحاكم فيها حزب ضعيف لا يملك غالبية برلمانية تمكنه من البقاء، وحزب ليكود فيها حزب ضعيف، يتصارع على زعامته شارون ونتانياهو. والاحزاب الدينية المتطرفة تحرك المستوطنين في الشارع، ويأتي تحركهم مهدداً للجميع، ويبدو واضحاً خلال ذلك ان العسكريين يفرضون منهجهم على السياسيين من دون ان يتكمنوا من تحقيق النجاح المطلوب. وقد قاد هذا الوضع كله، الى بروز نغمة واضحة تتحدث عن استحالة الحل العسكري، وضرورة الحل السياسي. وهذه الصورة بجانبيها الفلسطيني والاسرائيلي، تظهر ان نجاح الانتفاضة في الوصول الى هدف انهاء الاحتلال، واجبار الجيش الاسرائيلي على الانسحاب من كامل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، هو نجاح ممكن. والقناعة بهذه الامكانية هي التي يمكن ان توفر استمرار الانتفاضة، ولكن الشك بهذه الامكانية هو الذي يمكن ان يقود الى وقف الانتفاضة من دون ان ينال الشعب الفلسطيني ثمناً سياسياً يوازي التضحيات الضخمة التي قدمها الشعب باندفاع لا مثيل له. ولكن تطوير الانتفاضة ودفعها الى الامام، يحتاج الى خطة سياسية، ويحتاج الى تحرك سياسي. خطة سياسية تحدد هدف الانتفاضة بالاستقلال الفلسطيني والانسحاب الاسرائيلي الكامل، وتحرك سياسي فلسطيني باتجاه العرب والقوى الدولية، وكلاهما: الخطة والتحرك، أمران ممكنان، والظروف مهيأة لهما فعلاً. ولكننا نلحظ ان قيادة السلطة الفلسطينية لم تعلن حتى الآن هدفها السياسي النهائي، ولم تقم حتى الآن بالتحرك المطلوب على الساحة السياسية. ان بعض القيادات في السلطة يتحدث بإيجابية عن نضال حتى الاستقلال، ولكن هذا الحديث لم يتحول بعد الى قرار رسمي، وهو ما بات المناضلون في الشارع ينتظرونه بلهفة، من أجل صد الدعوات المتخاذلة التي تدعو الى وقف الانتفاضة والعودة الى التفاوض، وتحت ادعاء ان الانتفاضة حققت هدفها. أما على صعيد التحرك، فقد قامت السلطة الفلسطينية بتحرك باتجاه موسكو، طالبة حماية دولية ومؤتمراً دولياً جديداً، وهذا أمر جيد ولكنه لا يكفي، ولا يزال مطلوباً من السلطة الفلسطينية ان تجري الاتصالات العربية اللازمة، من اجل قيام تحرك عربي باتجاه أوروبا والولايات المتحدة، يضغط من اجل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وخلاصتها الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الأراضي المحتلة ومن القدس. والوضع العربي مهيأ للاستجابة لهذا الطلب الفلسطيني، شرط ان يكون طلباً جاداً، ومحدداً، وعلنياً. ان الو ضع الفلسطيني يعاني، من دون شك، لكن المعاناة الاسرائيلية لا تقل عن معاناة الفلسطينيين