تحتاج الانتفاضة الفلسطينية الراهنة الى تنظيم وتقنين. تحتاج الى خفض مدروس لدرجة التضحيات التي يقدمها الشعب يومياً، والتي عبّرت عن مخزون نضالي هائل، ولكنه مخزون تجب العناية به كي لا يتبدد. اعادة تنظيم الانتفاضة وتقنينها، مطلوب من اجل ان تتواصل الانتفاضة لأطول مدة زمنية ممكنة، ومطلوب ايضاً من اجل الاستفادة القصوى من المخزون النضالي الشعبي، ومطلوب من اجل تخفيض درجة التضحيات، وبحيث تتناسب التضحيات مع المردود السياسي الممكن. وقد يتطلّب تنظيم وتقنين الانتفاضة، ان لا تندلع بشكل شامل يومياً، فيكون نشاط في هذه المدينة اليوم، ونشاط في المدينة الثانية غداً. ويكون نشاط ضد المستوطنات اليوم، وتظاهرات سياسية غداً. وتكون عملية مسلحة ضد الدبابات الاسرائيلية اليوم، ومراشقة بالحجارة مع الجنود الاسرائيليين غداً. وكل ذلك من اجل ان يتواصل العمل والانتاج في نواحي الحياة الاخرى. فاستمرار الانتفاضة يحتاج الى عمل العامل، والى جهد الاستاذ، والى دراسة الطالب، وإلى نشاط التاجر، ومن غير المنطقي قيادة انتفاضة تتعطل معها كل مظاهر الحياة. نقول هذا ونحن نعرف ان لدى الشعب الفلسطيني خبرة متوارثة في تقنين الانتفاضة وادارتها. وما حدث في تقنين وادارة الانتفاضة السابقة كشف عن ابتكار وابداع جماهيري لم يكن منتظراً في اية تحليلات منطقية مسبقة، ومن الممكن الآن العودة الى تلك الخبرة والاستفادة منها، وبخاصة على صعيد مواصلة التعليم، والزراعة المنزلية، وتنظيم عمليات تهريب المواد الغذائية عبر الحدود العربية. ولدينا حالياً دعم عربي تقرر في القمة العربية من خلال صندوقين للدعم، يمكن بواسطتهما تخطي الضغط الاقتصادي الاسرائيلي الذي بدأ أخيراً بقرار سياسي، ومن شأن تفعيل عمل هذين الصندوقين، اعطاء الانتفاضة بعداً عربياً يجب ان نحرص عليه. لقد بدأت اسرائيل تقرّ وتعترف بأنها لن تستطيع القضاء على الانتفاضة بالعنف العسكري، وبدأ المعلّقون يكتبون في الصحف الاسرائيلية "ان معركة انتفاضة الاقصى لن تحسم في الحرب بل في التسوية السلمية"، بل وكتبوا يقولون ايضاً "ان التطورات التي ادت في نهاية الامر الى الانسحاب من لبنان ستتكرر ايضاً في الحرب الحالية" "معاريف" 16/11/2000 وبدأ جدل علمي بين باراك والمطالبين بدرجة اعلى من العنف، ويمثل هذا الجدل بداية تأثير الانتفاضة على القيادة الاسرائيلية وعلى المجتمع الاسرائيلي. ولا بد ان تستمر الانتفاضة، بكل اشكالها النضالية الممكنة، لكي يتواصل هذا التأثير ويتعمق ولكي يمكن بعد ذلك جعل الانسحاب الاسرائيلي، وتحرير الارض، بنداً مطروحاً على جدول اعمال القيادة الاسرائيلية العسكرية والسياسية. ولكن شرط ذلك هو ان يتراجع الى الخلف منطق بعض القادة الفلسطينيين الذي يرى في الانتفاضة مجرد وسيلة ضغط، او مجرد وسيلة لاقناع الاسرائيليين بالعودة الى تطبيق اتفاقات اوسلو. لقد اندلعت الانتفاضة لأن اتفاق اوسلو المرحلي لم يُطبّق. واندلعت الانتفاضة لأن اسرائيل ترجمت الحل النهائي الى استسلام فلسطيني، والى تخل عن القضية الفلسطينية الاصل حق العودة - مطلب إنهاء النزاع، ومن الضروري ان تأخذ الانتفاضة مجراها نحو مطلب انجاز الاستقلال وتحرير الارض، وليس نحو مطلب العودة الى التفاوض على قاعدة اوسلو او على قاعدة الانفراد الاميركي بالرعاية. وهذا يعني ان الانتفاضة لا بد ان تكون عملاً طويل المدى، ولذلك فان الحاجة ملحة لتنظيمها وتقنينها.