أعود اليوم الى موضوع أثير عندي هو السياحة في البلدان العربية عبر ما ينشر في الصحف الأجنبية والمجلات. وبما أنني زرت قبل أيام القاهرة فإنني أبدأ بزاوية اسبوعية في ركن السياحة والسفر من جريدة "الاندبندنت"، فهي تنشر كل اسبوع صفحة بعنوان "48 ساعة..." كانت في الاسبوع الأول من هذا الشهر عن القاهرة. الكاتبة جون فيلد اقترحت على قرائها الانكليز السفر الى القاهرة هذه الأيام، لتجنب الأمطار والفيضانات في بلادها، لأن نهر النيل لا يفيض... وهي شرحت للقارئ كيف يسافر، وأين ينزل، إلا أنها ركزت على حياة الليل، وسجلت اسماء الملاهي التي زارتها، كما اقترحت مطاعم معينة. وعندما يكون الحديث عن السياحة للفرجة على آثار العالم القديم، فنصف المادة أو اكثر هو دائماً عن مصر، ووجدت في "الغارديان" تحقيقاً طريفاً كتبته اليزابيث كريبس التي سافرت عبر مصر مع صديقتها تريشيا، فلم تتركا معلماً سياحياً من القاهرة الى الأقصر، ثم الغردقة وشرم الشيخ والصحراء، إلا وزارتاه. وبما ان الكاتبة في الخامسة والعشرين وصديقتها في مثل عمرها، فقد استفادتا من التخفيضات الممنوحة للطلاب، وسجلت الكاتبة تفاصيل كل قرش دفعته، من 10 جنيهات للسباحة في فندق مينا هاوس، الى 12 جنيهاً أجر غرفة فندق لاثنتين في الأقصر، ومثلها أجر السفر بالدرجة الأولى من القطار، و2.5 جنيه أجر الباص الى شرم الشيخ. وكان أكبر مبلغ سجلته هو 25 جنيهاً في سفينة عبر البحر الأحمر. أما توم تشيسهاير في "التايمز" فاكتفى بالتفاخر بأنه بين أول من زاروا مقابر فرعونية في الجيزة، ووصف بتفصيل مقبرة آمري. ووجدت في الصحف البريطانية والاميركية عروضاً لكتب جديدة عن مصر بينها "دليل أوكسفورد لمصر القديمة"، ربما كان اغرب ما فيه اقامة دليل على ان المصريين القدماء مارسوا الاقتصاد الذي بشر به رونالد ريغان العالم، وكتاب "قضاء أو حكم الفراعنة" من تأليف جويس تلدسلي التي درست موضوع الجريمة والعقاب أيام الفراعنة، وكتاب "مفاتيح مصر" من تأليف روي ادكنز، وهو عن حياة جان فرانسوا شامبليون الذي فك اسرار حجر رشيد. ووجدت ايضاً كتاباً بعنوان "وصف مصر" من تأليف ادوارد وليام لين الذي زار مصر بين 1825 و1828، الا ان كتابه لم ينشر الا هذه السنة. وبرزت مصر ايضاً في اطلس موسوعي بعنوان "أطلس بارنغتون للعالم الاغريقي والروماني"، من تحرير ريتشارد تالبرت، واصدار مطبعة جامعة برنستون. ويضم الاطلس صوراً نادرة ومقالات كتبها خبراء عالميون، ويسجل بالاضافة الى مصر آثاراً في ليبيا والجزائر والعراق، ومن انكلترا حتى ايران ووسط آسيا. وأمامي الآن ثلاثة تحقيقات تتنافس طولاً وصوراً عن الصحراء. وكتب كريس سكوت تحقيقه على شكل سؤال وجواب، وشرح للقارئ كيف يصل، وكيف يتجول في الصحراء الغربية، وكيف يحافظ على حياته ليعود. اما فيليب مارسدن، فاكتفى بصحراء مملكة النوبة القديمة، في حين ان بارنابي روجرسون ركز على الآثار الرومانية في ليبيا، مع تفاصيل وافية عن السفر والإقامة. وحظيت سورية في "نيويورك تايمز" بمقال دقيق عن الاكتشافات الأثرية الجديدة فيها والتي جعلت الباحثين يعيدون النظر في بعض مسلمات بدء الحضارة القديمة. وكانت جريدتنا هذه نشرت تحقيقات مماثلة عن الموضوع. الا ان الصحافية الانكليزية بريجيد كينان ركزت على دمشق وحدها، وخلطت بين الآثار القديمة والحديثة، وعرجت على بعض ما كتب المستشرقون، وبدت اكثر حماسة لموضوعها منهم. وكتب توبي ماننغ عن بيروت، واشار الى الاكتشافات التي ظهرت مع اعادة اعمار وسط المدينة. غير انه في مقابل صورة واحدة لأعمدة رومانية كانت هناك عشر صور عن حياة الليل في بيروت. وقال الكاتب ما معناه "مرحباً بيروت، وداعاً ايبيزا". وهو اذا كان صحيحاً، فهو مصيبة، لأن حياة الليل في الجزيرة الاسبانية المعروفة من نوع لا يصلح للكتابة عنه في جريدة رصينة. وبعد كل ما سبق، فربما كان أغرب ما قرأت تحقيقاً صغيراً في جريدة "نيويورك تايمز" عن اللوزينج في بغداد، وأرجح ان الكاتب تشارلز بيري ذهب الى عاصمة الرشيد لموضوع سياسي، وأعجب بتلك الحلوى القديمة التي قرأنا عنها في كتب الأدب. وأزيد من عندي شيئاً لا يعرفه كاتب اميركي فقد سأل الخليفة اشعب ايهما ألذ الفالوذج أو اللوزينج، فقال انه لا يحكم بين غائبين. وضحك الخليفة وأمر له بصحنين منهما. وأخذ أشعب يأكل من هذا لقمة ومن ذلك لقمة، حتى أتى عليهما، ثم قال للخليفة: لم أرَ خصمين أقوى حجة منهما. كلما أردت ان أقضي لأحدهما أدلى الآخر بحجته. غير انني أختم، كما بدأت بمصر، فعندي منذ الصيف مجلة "الصنداي تايمز" اللندنية، وموضوع الغلاف فيها ومواضيع اخرى في الداخل عن الاكتشافات الأثرية الجديدة تحت ماء البحر في مصر. وهناك عدد من الصور الملونة الكبيرة وشروح من المراسلين الصحافيين وعلماء الآثار. واعرف ان الصحافة العربية كلها تقصر عن مثل هذا الجهد، فقد ايقظنا العالم ونمنا. ولن أحمل اسرائيل المسؤولية عن تقصيرنا، ولكن أسجل باختصار شديد ان أمامي تحقيقاً غير سياحي كتبه سام كايلي عن اسرائيل يقول ان الكيماويات تكاد تسمم الأرض والماء في اسرائيل، وان 40 في المئة من الماء المستعمل في البيوت الاسرائيلية والفلسطينية لا يصلح للشرب. وأقول ان هذا "أحسن" ما في اسرائيل، اذا قارنا ماءها بسياستها.