من مُتَع الحياة الدنيا، المتع التي تصلح للنشر، أن أقرأ جريدة الأحد من «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست»، فقد أقمت في الولاياتالمتحدة سنوات، وكنت أنتظر الأحد من كل أسبوع لأقرأهما، ثم جاءت التكنولوجيا الحديثة لتوفرهما لي كل يوم عبر الإنترنت. زيارتي نيويورك لحضور دورة الجمعية العامة السادسة والستين، وواشنطن لرؤية صديق يوم الإجازة الأسبوعية الأحد، أتاحت لي أن أقرأ العدد الورقي من الجريدتين بكل ملاحقه، من سياحة وسفر وسيارات وتسلية او مسرح، وعقار وأزياء ورياضة وعروض كتب... وغيرها كثير. هي صحافة مهنية راقية جداً، غير ان «الحلو ما يكملش»، فمع أن كلاًّ من الصحيفتين ليبرالي بامتياز ومعتدل، إلا أنه في الموضوع الإسرائيلي ينشر لكتّاب من أقصى اليمين، من متطرفين جدد وليكوديين يتعاطفون مع دولة فاشستية محتلة هي السبب الأول والأهم لاستمرار اللاسامية حول العالم. في مقابل الرأي الذي يجمع الغث والسمين، الاخبار فوق مستوى الشبهات، مثل امرأة القيصر، ومهما بلغ الغضب على بعض كتاب الرأي، فالأخبار دائماً صحيحة (هناك فضائح لصحافيين عملوا في الجريدتين ولفقوا أخباراً، إلاّ أنهم اكتُشِفوا وطُردوا، وهم الشذوذ على القاعدة). سأعود خلال أيام الى درس صحافي وجدته عبر مراقب الأخبار في «نيويورك تايمز» وجدل حول مراسلها في إسرائيل إيثان برونر، أما اليوم، فأكتفي بعرض سريع للمادة التي تجعلني أنتظر الصحيفتين من أحد الى أحد. الأخبار التي تهمنا دائماً موجودة من اليمن الى مصر وليبيا وأفغانستان وكل مكان، وأهم ما فيها أنها صحيحة، ومثلاً هناك أسلوب ألاّ يُنشر خبر إلاّ إذا أكدته الجريدة من مصدرين كل منهما مستقل عن الآخر. إذا كانت الأخبار السياسية متوقعة، لأن التلفزيون يسبق إليها، فلا يبقى غير التفاصيل، فإن الأخبار الأخرى هي ما يجذب قارئاً مثلي إلى صحيفة أميركية. يوم الأحد الماضي قرأت في ملحق الفنون والتسلية تحقيقاً عن عودة الاهتمام بالفن الإسلامي، يتحدث عن الموجود منه بعيداً من العيون في متحف متروبوليتان، والذي يوصف بأنه «كنوز»، بينها «طغراء»، اي ختم يعود الى سليمان القانوني سنة 1555 ميلادية. في المقابل، ديفيد إغناشيوس في صفحة الرأي من «واشنطن بوست» عوّضني عن امثال المتطرف الليكودي تشارلز كراوتهامر، فقد كتب مقالاً عن تراجع باراك اوباما عن سياسته المعلنة في الشرق الاوسط، وهو ما نقول نحن أيضاً. ووجدت مادة مفيدة غابت عن الصحف العربية في تحقيق للصحيفة عن ارتفاع أسعار العقار في بغداد، حتى أن بعضها أغلى من عقار مماثل في باريس. ثمة أشياء باقية من ايام إقامتي في اميركا في الثمانينات وأشياء تغيرت، وكان في كل من الجريدتين ملحق ينشر صور الخطبة او الزواج، وأقرأه وأحاول ان أجد أسماء عربية. اليوم أقرأ أخبار زواج المثليي الجنس (الشاذين) مع صورهم، وقد وجدت في ملحق «نيويورك تايمز» أن ستيف وماثيو تزوجا، وان شيرلين ولين تزوجتا أيضاً، وكذلك فعل كريغ وستيفن وفعلت أنابيل وإيملي. لا أبشّر ولا حق لي أن أعترض على قوانين أميركية، وكل ملاحظتي هي أنني لا أفهم الترويج لمثل هذا «الزواج». في مجلة الأحد، كان هناك تحقيق في صفحات مع صور كثيرة عن سنوات معمر القذافي وسقوط طرابلس. وفي مجلة أخرى، فوجئت بتحقيق عن حياة الليل في بيروت يبدو ان كاتبته شابة انتقلت من مطعم الى ملهى الى بار مع مجموعة من الشباب والصبايا اللبنانيين الذين يطلبون الحياة في ظل الأزمات السياسية المتتالية. ولعل عنوان التحقيق يعكس محتواه، فقد كان «الرقص على حافة الهاوية». هناك بيروت اخرى، أو «بيروتات»، إلاّ أن الكاتبة اكتفت بحب الحياة عند الجيل الجديد. وفي عروض الكتب، كان هناك كثير مما يهم العرب، وبينه «الطاقة، الأمن وإعادة صنع العالم العصري» من تأليف دانيال بيرغن الفائز بجائزة نوبل، وعرض فريد زكريا. باختصار، الكتاب يقول ان الطاقة أهم طلب للعالم اليوم، وهو بذلك يؤكد أهمية هذا السلاح في أيدي الدول العربية المنتجة، وقدرته على تغيير المعادلات السياسية والاقتصادية النمطية حول العالم. من يدري؟ ربما فعلنا يوماً. [email protected]