في مطلع الصيف كتبت في هذه الزاوية عن السياحة في البلدان العربية، مستعيناً بما قرأت في صحف اميركية وبريطانية فقط. وفي حين ان أي صفحات عن السفر والسياحة، في أي جريدة، لا يمكن ان تخلو من مواضيع عدة عن مصر التي تضم وحدها اكثر من ثلث آثار العالم، فقد سجلت في حينه ان الكتاب الغربيين اصبحوا مهتمين كذلك ببلدان عربية غير مصر، مثل اليمن وليبيا وسورية والمملكة العربية السعودية. اكتب اليوم وقد تجمعت لي مقالات جديدة تستحق وقفة عندها، فالسياحة صناعة صاعدة مع سهولة الانتقال من بلد الى بلد، ونحن بحاجة الى كل قرش سياحي، في كل بلد. سورية حظيت بغلاف أخير لملحق السفر والسياحة الاسبوعي في جريدة "الأوبزرفر" مع صفحتين كاملتين في الداخل ازدانتا بالصور. وفي حين ان الكاتب مارتن برايت طاف بالبلاد كلها، فإنه يبدو انه وقع أسير سحر حلب التي اعتبرها تعكس حضارة البحر الأبيض المتوسط اكثر من أي مدينة على شواطئ هذا البحر. وركز التحقيق الواسع على اشكال المنائر وكيف تطورت من أيام الامويين، الى السلاجقة والمماليك، وحتى العثمانيين. وهو وجد في حلب نموذجاً واضحاً على كل طراز، كما وجد كنسا قديمة وكنائس محفوظة، وتحدث بتفصيل عن كنيس يعود الى القرن الثاني الميلادي، عثر عليه على ضفاف الفرات، ونقل بكامله الى المتحف الوطني في دمشق. ولاحظ برايت ان الصناعات القديمة في أسواق حلب هي هي منذ مئة سنة أو اكثر، ولولا صور للأميرة ديانا وغيرها، لشعر بأنه لا يزال في القرن التاسع عشر. وزار الكاتب تدمر واعجب بهيكل بعل، ومر بحماة قبل ان ينتهي في دمشق. وضم التحقيق عناوين مفيدة وأرقام هواتف للراغبين في السفر والسياحة في سورية. الا ان الكاتب السياحي، في ملحق سياحي، وجد سبباً أو مدخلاً لحديث سياسي نقدي لا محل له في الموضوع، ووجدت مثله في موضوع عن السياحة في سورية نشرته مجلة "اسكواير" الواسعة الانتشار، فالموضوع جميل، إلا أن كاتبه اندي داك يتحدث عن دمشق كعاصمة دينية، ويفضل عليها حلب، ثم يقول ان خلاف سورية مع اسرائيل عمره 22 سنة. لماذا لا يكتفي كتاب السياحة بالسياحة فلا يفضحون جهلهم؟ وضم ملحق "المسافر" في جريدة "الاندبندنت" تحقيقاً أطول عن البحر الأحمر لم تترك الكاتبة انثيا ميلنز شاردة وواردة إلا وسجلتها بمحبة، فهي رأته ملتقى افريقيا والجزيرة العربية، يجمع رومانسية الصحراء، ومهد حضارات العالم. وجاء في التحقيق ان اسم البحر الأحمر مشتق من انعكاس حمرة الجبال المجاورة على مائه، وانه حوض كبير يضم ألف نوع من السمك و200 نوع من "الكورال" في جرفه. وفي حين ان طوله ألف ميل، فإن اسهل نقاط الوصول اليه هي عبر مصر والأردن واسرائيل، مع العلم ان المملكة العربية السعودية بدأت تفتح أبوابها للسياح أخيراً. وتضيق هذه الزاوية عن التفاصيل، فالكاتبة اعطت رأيها في أفضل شواطئ للسباحة أو لمجرد الاستلقاء في الشمس، ونصحت القارئ كيف يصل الى الاماكن المختارة، والى الرحلات البحرية المتوافرة، والصحراء، والمدن السياحية في مصر والأردن واسرائيل. وان كان لي من تعليق عابر، فالتحقيق خلا من السياسة، كما في التحقيق الآخر عن سورية، الا انه أعطى اسرائيل تغطية لا تستحقها، فكل ما لها على البحر الأحمر هو مرفأ ايلات، ومع ذلك فقد كان لها من التحقيق نصيب مواز لما اعطيت مصر أو الأردن. مرة اخرى، لا استطيع ان انقل ما يكتب عن السياحة في مصر، فهذا عمل يومي، وامامي الآن اخبار عدة عن وادي الموميات الذهبية واكتشافات جديدة فيه، غير انني اسجل كلمات سريعة عن خبرين من النوع غير المألوف قبل ان اعود الى مصر: - "نيويورك تايمز" نشرت تحقيقاً طويلاً عن شريكين سويسري ولبنانية في مصر ينتجان حوائج وأثاثاً للبيوت. السويسري ميشال باستور كان يهتم بالفخاريات والنسيج، اما اللبنانية سيلفيا نصرالله فمصممة أزياء، وهما معاً أسسا شراكة كتبت عنها سوزان ساخس موضوعاً طويلاً ازدان بصور عدة، وبدت الكاتبة فيه معجبة كثيراً بجمال الانتاج ودقة الصنعة ما يجتذب السكان المحليين والديبلوماسيين الاجانب. - "واشنطن بوست" نشرت مقالاً ظريفاً عن الحكواتي بعد ان رأى مراسلها هوارد شنايدر في دمشق رشيد حلاق يروي قصة، ولعلها "عنتر وعبلة" أو "الزير بوليلى المهلهل"، وهو يلوح بسيفه في كل اتجاه، ويجتذب المستمعين الذين تجمعوا حوله على شكل حلقة في مقهى شعبي. واختتم بمصر فقد كانت موضوع ملحق لجريدة "التايمز" اللندنية عنوانه "النهضة الاقتصادية والثقافية"، ركز على أمور غير السياحة. وقرأت ان حكومة الدكتور عاطف صدقي، بعد سنة لها في الحكم تقريباً، لم تأت بمعجزات، الا انها قادت البلاد الى برّ الأمان وتغلبت على أزمة السيولة. وتحدث الملحق عن نشاط القطاع المصرفي، وعن سوق الطاقة والاسهم والسندات، ودخول مصر عصر التكنولوجيا الحديثة، وكل جهد آخر، بما في ذلك الاهتمام الكبير بالسينما والتلفزيون في مدينة الانتاج الهائلة في مدينة 6 اكتوبر. وفي حين ان الملحق لم يكن سياحياً، فهو تحدث عن السياحة كصناعة اخرى، وضم تحقيقاً جيداً عن مكتبة الاسكندرية الجديدة. كل ما في مصر يجتذب السياح، واذا كنا نرى الهرم والنيل، وفيفي عبده أو دينا، فإن الزائر الاجنبي يرى هذه كلها، ثم يزيد مشهد امرأة تدخن الشيشة في مقهى، ويعتبر ذلك من سحر الشرق. وفي حين انني لا أرى سحراً كبيراً في تدخين الشيشة، إلا انني لا اعترض أو أعارض، فقد وجدت دائماً ان من الاسهل كثيراً ان نتفق مع "الخواجات" في السياحة من ان نتفق معهم في السياسة.