مقولة "إن لم تكن على الانترنت، فأنت غير موجود" ليست شعاراً أجوف، لكنها شرط التفوق والنجاح في مجالات العمل المختلفة، والسياحة ليست استثناء. القاهرة شهدت لقاءً مهماً أخيراً بين عدد من الأطراف الضالعة في "تكنولوجيا المعلومات في التنمية السياحية". اللقاء شمل مسؤولي وزارتي الاتصالات والمعلومات، ممثلين عن الشركات العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى ممثلين عن الفنادق وغيرها من المنشآت السياحية الخاصة. مستشار وزير الاتصالات والمعلومات الدكتور علي الحفناوي عرض وجهة نظر شديدة الواقعية، فبعيداً عن التمسك الأعمى والوحيد بعبارة "مصر بلد سياحي"، قال الحفناوي إنه منذ سنوات طويلة تعتمد مصر على رصيدها التاريخي لجذب السياحة إليها، والتي أضحت تمثل رصيداً اقتصادياً ضخماً لها. لكنه نبه إلى عدم إمكان الاعتماد على الرصيد التاريخي وحده "فالسياحة شأنها شأن أي سلعة اقتصادية، تتعرض لمؤثرات وتخضع إلى متغيرات العرض والطلب في السوق المصرية". وهو يشيد بالجهود التي بذلت في مصر خلال السنوات الماضية لتأمين معلومات في قطاع السياحة المصري، من قواعد بيانات، ومواقع على شبكة المعلومات الدولية الانترنت، وجميعها يهدف إلى خلق منظومة تنموية في وزارة السياحة. ودعا الحفناوي الى دعم القطاعات الالكترونية الخادمة للسياحة وتطويرها، كذلك شركات تكنولوجيا المعلومات والتجارة الالكترونية، إلا أنه نبه أن الدولة لن تستطيع وحدها القيام بتلك الجهود وهي في حاجة إلى شراكة القطاع الخاص. الجهود التي تبذلها الحكومة في هذا الصدد عرض بعضها رئيس الإدارة المركزية لتخطيط المناطق السياحية المهندس خالد مخلوف. فوزارة السياحة تنظم برامج تدريبية لتهيئة الكوادر على استخدام تكنولوجيا المعلومات في مجال السياحة. وأشاد مخلوف بوجود السياحة المصرية على شبكة الانترنت، ناسباً إلى ذلك الوجود فضل تهيئة المناخ المناسب للتنمية السياحية، وزيادة الطاقة الفندقية بالتالي. وأيدته في وجهة نظره تلك مدير مركز معلومات هيئة تنشيط السياحة السيدة فاطمة الجمال التي أسهبت في الحديث عن الاسطوانات المدمجة التي اصدرتها الجهات الرسمية في مصر، وتحمل معلومات سياحية شاملة وتفصيل التجهيزات التقنية الحديثة لمكاتب السياحة التابعة للوزارة في الخارج، كذلك المواقع التي أسستها الوزارة على الانترنت. وذكرت الجمال أن منظمة السياحة العالمية ذكرت في تقريرها أن مصر تحتل الموقع السادس بين أفضل 25 دولة طرحت لنفسها مواقع سياحية على الانترنت. تلك الإشارات أثارت انتقادات عدة من الحضور الذي أخذ بعضهم على مواقع وزارة السياحة على الانترنت عدم تحديثها، وضعف مستوى فحواها. نقد آخر طرحه مدير عام الاتحاد المصري للغرف السياحية السيد أحمد الخادم، لكنه هذه المرة للمؤسسات السياحية متوسطة وصغيرة الحجم التي ترفض فكرة الوجود على الانترنت. فهو أكد أن المعلومة تساعد على اتخاذ القرار السليم، لا سيما في مجال السياحة، وأن القطاع السياحي يعي تماماً الأهمية القصوى من الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات. قال: "نقل صناعة السياحة إلى شبكة الانترنت من شأنه أن يخفض ويختصر من إعداد البرامج السياحية، وزمن بيعها، وزمن متابعة تنفيذها، وكل ذلك من شأنه أن يخفض من الكلفة، إذ يتيح للمؤسسات السياحية إعداد حجم عمل كبير، بقوى بشرية محدودة، وتحقيق عائد كبير". واشاد الخادم بدور التجارة الالكترونية في ذلك المجال الذي يتيح فرصة تحصيل قيمة الخدمات الصباحية من خلال الانترنت، إذ أن تلك التكنولوجيا مكنت العاملين في قطاع السياحة من تحقيق معاملات مالية لم تكن متاحة من قبل. ومن مزايا تطبيق تكنولوجيا المعلومات كذلك على مجال السياحة أنها تتيح فرصة الربط المباشر بين قطاعات السياحة المختلفة من شركات طيران وسياحة ومطاعم وفنادق وتأجير سيارات، إذ أضحى جميعها مترابطاً معلوماتياً. واستطرد الخادم شارحاً رأيه، فقال إنه توجد مؤسسات سياحية مدركة تماماً لأهمية التكنولوجيا، الا ان هناك مؤسسات أخرى لا تسعى إلى ذلك، وأغلبها متوسط وصغير الحجم، لأن تكنولوجيا المعلومات تعني تحمل مزيد من الأعباء المالية التي لا طاقة لها بها. ودعا العاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات ليشرحوا لأولئك أن تخوفهم لا محل له، إذ أن اختراق مجال تكنولوجيا المعلومات سيحقق مكاسب مالية كبيرة على المديين المتوسط والطويل يفوق ما تكبدوه في البداية نظير الدخول في عجلة التكنولوجيا. أحد أولئك الذين يناشدهم الخادم بالتدخل لإزالة مخاوف شركات ومؤسسات السياحة متوسطة وصغيرة الحجم هو مدير عام شركة "كومباك" - من أكبر موردات أنظمة الكومبيوتر - السيد طارق هيبة. وهو بدأ على الفور في عملية توعية الشركات بأهمية تكنولوجيا المعلومات. قال: "الأفضلية بالنسبة إلى المستهلك من نصيب الشركات المتاحة على الانترنت والتي يسهل الوصول اليها من أي مكان فيه جهاز كومبيوتر. فالفندق أو المزار السياحي لو كان موجوداً على الانترنت لأتاح للسائح التعرف عن قرب الى المكان الذي ينوي التوجه إليه". ويأخذ هيبة من احصاء غربي حديث - مفاده أن 66 في المئة من النزلاء يفضلون الفنادق المجهزة بوسائل تكنولوجيا المعلومات، وأن 73 في المئة منهم يحتاجون خدمات الكومبيوتر أثناء اقامتهم، مثالاً على زيادة اهمية تكنولوجيا المعلومات في صناعة السياحة. ويضيف: أن غالبية السياح مستعدة لدفع مبلغ اضافي في مقابل الاستمتاع بخدمة الانترنت. ورغم أن عدد المشتركين في خدمات الانترنت في الوطن العربي لا يتجاوز نصف مليون شخص يرتفعون الى مليوني مستخدم، وأن عدد المستخدمين في مصر يبلغ 400 ألف شخص، إلا أن النمو المتوقع في هذا الصدد كبير جداً، بل أن الحكومة المصرية نفسها تسعى إلى أن تكون حكومة الكترونية. نموذج حي لتطبيق تكنولوجيا المعلومات في مجال السياحة عرضه "فندق فورسيزونز" حيث انعقدت الندوة. فالفندق يقدم تكنولوجيا المعلومات لثلاث شرائح هي: النزلاء، وموظفو الفندق، والشركة ككل. وهناك إمكان توصيل خدمة الانترنت في داخل الغرفة لمن يرغب، مع تقديم المساعدات التقنية للتشغيل. أما الموظفون، فلهم ما يعرف بنظام تعلم ذاتي يتيح لهم فرصة تثقيف أنفسهم وتعلم استخدام الكومبيوتر في مركز في الفندق في أوقات فراغهم. والشركة نفسها تتمتع بقاعدة معلومات مركزها كندا تحوي المعلومات الخاصة بجميع النزلاء، وهي توفر الجهد والوقت للنزلاء بعد المرة الأولى من اقامتهم في الفندق، وعلى الفندق أن يؤمن للنزيل في أي بلد يزوره الغرفة بالمواصفات التي يفضلها من دون الحاجة الى ملء نماذج وأوراق كل مرة. وهكذا، وإذا كان يتوقع أن يرتفع حجم تبادل سلع الفنادق وخدماتها الى نحو خمسة بلايين دولار سنوياً على مستوى العالم، فإن كل المنشآت السياحية يسعى حالياً الى تعظيم الاستفادة من الاعمال الالكترونية لدعم قدراته التنافسية. فيمكن للفندق أن يشتري حاجاته ومستلزماته التنافسية من خلال شبكة الانترنت، وذلك بدلاً من ارسال مندوب للشراء أو الانتظار الى أن تأتي سيارات الشركات لتمويل الفندق بحاجاته. وتتجه المنشآت السياحية حالياً إلى ربط كل الفنادق والمنتجعات على مستوى العالم من خلال شبكة الانترنت، والاستفادة من مزايا التجارة الالكترونية. مدير عام "فندق فور سيزونز" في القاهرة جون سوليفان قال: "في البداية كان هناك تخوف من تأثير التكنولوجيا الحديثة في مجال صناعة الخدمات على تواصل العلاقات الانسانية، لكن بمرور الوقت اتضح أن التكنولوجيا الحديثة ساعدت على زيادة حجم المعرفة، وتفهم اكثر للسياح ونزلاء الفنادق واستيعابهم، وهو ما انعكس ايجاباً على مستوى تقديم الخدمات السياحية".