القدس المحتلة، غزة، واشنطن، موسكو - "الحياة"، أ ف ب، رويترز - شهد الصراع بين الفلسطينيين واسرائيل تصعيداً واسعاً امس، تمثل في قصف صاروخي ومدفعي عنيف من طائرات هليكوبتر وسفن حربية اسرائيلية مساء على أهداف في قطاع غزة، بعضها قريب الى مقر الرئيس ياسر عرفات. واستهدف القصف خصوصاً مقر قيادة الشرطة ومقر الاستخبارات العسكرية الفلسطينية ومقار لحركة "فتح" والتلفزيون، بعدما أرسلت اسرائيل تعزيزات عسكرية الى القطاع. وجاء التصعيد اثر انفجار لغم أدى الى مقتل اثنين من المستوطنين اليهود في قطاع غزة وجرح عشرة آخرين منهم. وأعلن الجيش الاسرائيلي انه سيستدعي الاحتياط لمواجهة الانتفاضة، فيما تبنت التفجير ثلاث منظمات بينها "حزب الله فلسطين". وبلهجة تهديد، اتهم رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك السلطة الفلسطينية بخرق كل الاتفاقات، وقال في مؤتمر صحافي عقده في مستشفى بئر السبع: "السلطة هي العنوان في ردنا على كل عملية، وهي التي ستدفع الثمن". وزاد: "سنرد بكل قوة الى ان تتوقف أعمال العنف، واناشد زعماء كل الاحزاب الاسرائيلية من اليسار واليمين الوقوف في صف واحد أمام خصومنا حتى ننتصر. تعالوا الى حكومة طوارئ فنحن بصدد معركة طويلة ولا حاجة لننتظر تفجير باص آخر كي نشكل مثل هذه الحكومة". واتهم الوزير الفلسطيني حسن عصفور اسرائيل بأنها اختارت "طريق الحرب"، وقال ان الضربات الصاروخية ستكلف حكومتها غالياً وان على باراك "ان يبدأ احصاء عدد القتلى الاسرائيليين". واكد مصدر فلسطيني ان القصف على غزة اوقع قتيلاً و120 جريحاً. وأوضح شهود ان اكثر من طائرة هليكوبتر اطلقت صواريخ على مدينة غزة، حيث قطع التيار الكهربائي. وجاءت الهجمات بعدما قررت الحكومة الاسرائيلية الأمنية المصغرة في اجتماع طارئ امس عقد اثر مقتل المستوطنين، ضرب اهداف "عسكرية" فلسطينية. وجاءت الضربات الصاروخية على رغم اعلان السلطة الفلسطينية عدم مسؤوليتها عن التفجير وتأكيدها ان المنطقة التي شهدت الانفجار خاضعة للاحتلال الاسرائيلي. وكان الجيش الاسرائيلي اتخذ فور وقوع التفجير الذي استهدف باصاً وسيارة للجيش كانت ترافقه على الطريق المؤدية الى كفار داروم خطوات بينها تحريك طائرات مروحية لقصف أهداف فلسطينية، واغلاق معبر رفح مع مصر، وفصل جنوب قطاع غزة عن شماله، ووضع كتل اسمنتية ونشر دبابات على المحاور الواصلة بين أجزاء القطاع، ونشر عشرة زوارق حربية قبالة ساحل غزة، وادخال قطع مدفعية الى القطاع خصوصاً عبر معبر كارني المنطار الحدودي مع اسرائيل. وذكرت مصادر مستشفى الشفاء في مدينة غزة ان 25 فلسطينياً جرحوا بالقصف الاسرائيلي، فيما افاد شهود ان القصف طاول ايضاً بنايتين سكنيتين واكثر من منزل في غزة وضواحيها. وخلال اشتباكات استشهد فلسطيني وجرح 11 آخرون امس في القطاع والضفة الغربية، برصاص الجيش الاسرائيلي. وقال سكرتير الحكومة الاسرائيلية اسحق هرتسوغ ان الضربات التي اعقبت عملية التفجير "تشكل رسالة وضحة الى ياسر عرفات والسلطة الفلسطينية بعد الاعتداء الخطير ذي الطابع الاستراتيجي الذي استهدف باصاً يقل اطفالاً". واضاف: لا يسع اسرائيل الا ان ترد بقسوة وهذا ما فعلناه ونعتبر السلطة مسؤولة عن أحداث الاسابيع الاخيرة وكذلك اجهزة أمن عرفات، رغم انه لا يسعني القول ان عرفات كان على علم باعتداء اليوم" امس. وادعت ثلاث منظمات المسؤولية عن التفجير الذي أعلن الاسرائيليون انه تم بالتحكم عن بعد. والمنظمات هي "كتائب شهداء الأقصى - الجناح العسكري"، وهي غير معروفة، و"حزب الله فلسطين" الذي يكشف عن نفسه للمرة الأولى واصدر بياناً في بيروت، ومجموعة "قوات الشهيد القائد عمر المختار" التي اعلنت مسؤوليتها في بيان من دمشق. وبث التلفزيون الاسرائيلي مساء ان مجلس الوزراء المصغر برئاسة رئيس الحكومة ايهود باراك أقر شن "هجمات على أهداف منتقاة" وفرض عقوبات اقتصادية اشد على الفلسطينيين، وتشديد الطوق الاسرائيلي على المدن الفلسطينية. وبدا الارتباك واضحاً على المسؤولين الاسرائيليين في ما يتعلق بالجهة التي يمكن ان تكون نفذت الهجوم على الباص والسيارة العسكرية، اذ لام بعضهم، مثل نائب وزير الدفاع افرايم سنيه، السلطة الفلسطينية مشيراً الى انها اطلقت اعضاء في "حماس" و"الجهاد الاسلامي" ولام آخرون "حماس"، فيما اتهمت اجهزة استخبارات الجيش الاسرائيلي عناصر من حركة "فتح". ونقلت الإذاعة العسكرىة عن المسؤول الرفيع المستوى في اجهزة الاستخبارات الجنرال عاموس غيلبوا قوله خلال اجتماع الحكومة الأمنية المصغرة ان "عناصر من فتح مرتبطين بالسلطة بقيادة ياسر عرفات، مسؤولون عن الاعتداء وليس عناصر من حماس والجهاد الاسلامي". ونفت "فتح" أي مسؤولية لها عن الهجوم، وقال احمد غنيم أحد المسؤولين البارزين في الحركة انها عندما تنفذ أي هجوم ستعلن مسؤوليتها. واعتبرت "حماس" عملية امس "تطوراً نوعياً" في الانتفاضة، وقال اسماعيل أبو شنب احد قادة الحركة ان "ما حدث التفجير هو تطور نوعي للانتفاضة طالما تحدث الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي لحماس عنه كي تصبح الانتفاضة شعبية مسلحة". واضاف: "منذ فترة بدأت الانتفاضة تأخذ منحى مسلحاً وهذا ايجابي، ويشكل الرد الصحيح على العدوان العسكري الاسرائيلي". ودان مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية حادث التفجير الذي استهدف الباص، ورأى انه "يظهر أهمية تحرك الجانبين بأسرع وقت ممكن لتنفيذ اتفاق شرم الشيخ"، فيما دعت موسكوالفلسطينيين والاسرائيليين الى الهدوء. وجاء في بيان لوزارة الخارجية الروسية ان "على الطرفين اتخاذ كل الاجراءات لمنع تصعيد جديد للعنف وتفادي الاعمال الارهابية، من اجل ايجاد حل للأزمة". الاتحاد الأوروبي إلى ذلك، طالب وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إسرائيل ب"الشروع في سحب قواتها الى المواقع التي كانت فيها قبل 28 ايلول سبتمبر". واعتمد الوزراء المجتمعون في بروكسيل اعلاناً يحض إسرائيل على "وضع حد للقيود التي تفرضها على حركة الافراد والبضائع في الأراضي الفلسطينية" و"رفع العقوبات المالية التي اتخذت ضد السلطة الفلسطينية". كما طالبت الدول ال15 اسرائيل بأن "لا تستخدم في الحالات التي يبدو فيها تدخل قوات الأمن أمراً لا مفر منه، الا الوسائل غير القاتلة". في المقابل، دعت دول الاتحاد السلطة الفلسطينية إلى "بذل كل الجهود لوقف العنف واعطاء تعليمات صارمة لقوات الأمن بوقف اطلاق النار على الاسرائيليين تنفيذاً لما اعلنه الرئيس عرفات". واعتبرت الدول الاوروبية ان "عدم احراز تقدم في عملية السلام، بما في ذلك مشكلة المستوطنات، هو سبب موجة العنف والاحباط في صفوف الشعب الفلسطيني". ودعت الاسرائيليين والفلسطينيين إلى احترام "التعهدات التي التزموها في قمة شرم الشيخ وفي غزة"، مشددة على أهمية أن "تبدأ لجنة تقصي الحقائق التي انشئت في ختام قمة شرم الشيخ اعمالها من دون تأخير".