رغم كل ما يفعله رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك لكسب رضا الحاخام الأكبر لليكود ارييل شارون، ورغم تقتيل الفلسطينيين برصاص القناصة وقذائف الدبابات، ما زال الجنرال حملاً وديعاً، دونه وشروط "حكومة الطوارئ" بون شاسع. الجنرال يسمي المجازر التي ترتكب بحق الفلسطينيين "اختباراً"، والحاخام دوّن علامات سيئة ل"بطل" كامب ديفيد في اختبار "شجاعته" في صون "وحدة الشعب اليهودي". فهكذا وحدة، لا يعمّدها لدى شارون سوى دم الفلسطينيين، كأنه منذ شاهد ذل الجيش الاسرائيلي المنسحب من جنوبلبنان في آخر فصل من حربه شمال الجليل، يريد الثأر لمشروع الحاخام هناك، بكل مجازره المعروفة. وإذ يتخذ موقف المواجهة النهائية لإسقاط حكومة الجنرال، يعتمد الأخير كل عصا في يد الجيش، بدءاً من الطائرات الى الدبابات والمدرعات ضد "عنف" الرئيس ياسر عرفات و"فتح"، في منحى متعمد لاختزال الانتفاضة ب"ثورة" لحركة أبو عمار، كأنها اضطرابات داخلية... بدليل ما آلت إليه الجهود الدولية، وصدى قرارات القمة العربية. وإذ بدا بعد أيام معدودة على القمة، ان كل "العقلانية" سقط أمام حرب شارون التي يخوضها باراك لإنقاذ رأسه في الحكم، جاز توقع الأسوأ في صراع الجنرال والحاخام على رؤوس... الفلسطينيين. ولم يعد همساً ما يتردد عن بيروت ثانية لأبو عمار في الضفة الغربية وقطاع غزة، أي تكرار مشهد الغزو والحصار، مع فوارق بين الفصلين: في بيروت كان الهدف كسر منظمة التحرير ونزع سلاحها وتفكيكها كبنية عسكرية، وفي رام اللهوغزة يسعى باراك الى تحطيم السلطة الفلسطينية في قفص عملية السلام، وربما تهجيرها، وإرغام عرفات على التخلي عن كل ما حققه منذ دخوله أراضي فلسطين... على رغم ضآلة ما انجز، وبحجة مواجهة "خطر" اعلان الدولة المستقلة. ألا يذكّر القصف الليلي على رام الله ونابلس بدك بيروت خلال مطاردة عرفات من الجو، وهو يتنقل بين أحيائها؟ ومرة أخرى، يثبت التصعيد الاسرائيلي ولغة الحرب التي افتتح بها رئيس الوزراء دورة الشتاء للكنيست، أن القمة العربية - إن لم تكن هناك قرارات سرية، مستبعدة على الأرجح - فشلت في تحديد خيارات للرد على جنون التطرف في الدولة العبرية، من دون أن يعني ذلك حتمية مواجهة شاملة تبدو الدول العربية أبعد ما تكون حتى عن مجرد النظر اليها كاحتمال. وبين الاحتمالات التي لم تجب عنها القمة: من يستطيع تحمل طوفان جديد من اللاجئين؟ إذا أعلن عرفات الدولة ولم تعترف بها واشنطن - وهذا شبه أكيد - هل تعترف بها العواصم العربية؟! وما البديل، الى المساعدات المالية، اذا استعرت حرب شارون على أراضي السلطة الفلسطينية؟ واستقدام قوات دولية لفض الاشتباك، ألن يتحول الى أمر واقع يعزل السلطة في غيتو الدويلة، ويشطب قضية القدس من برنامج الدولة؟ اذا كانت قمة "العقلانية" في القمة العربية التمسك بخيار السلام، وعمليته الأميركية، وقمة "الواقعية" اعتراف "أبو مازن" بأن الانتفاضة لن تحقق نصراً، أي ثمن إذاً لدماء الذين يقاتلون بالحجارة، ليس دفاعاً عن "فتح" ولا "حماس" ولا "الجهاد"، بل عن حقهم في الحياة من دون إذلال متغطرس؟ بيروت ثانية في رام الله؟... قمة الألم أن يدفع الفلسطيني ثمن صراع الجنرال والحاخام، ولا يجد أملاً في لغة "عقلانية".