لكل عهد في اسرائيل حربه او مجازره… ومن الخليل الى القدس والناصرة تتكرر عام 2000 تلك الصورة البشعة للهاغانا، وهي تطلق جنون التعصّب تدميراً وحرقاً وتقتيلاً وتمثيلاً بجثث الفلسطينيين. ما عليهم سوى ان يخشوا موت عملية السلام! ولكن، حين تبدأ الحرب بين التطرّف واليأس من يوقفها؟ لم يكن امتناع واشنطن عن استخدام الفيتو ضد قرار مجلس الامن ادانة "القوة المفرطة" في قمع الفلسطينيين، سوى ورقة رشوة كي تسقط ادارة كلينتون تدريجاً مطالبتهم بتحقيق دولي في المجازر، وليس "ايفاد" الامين العام للامم المتحدة الى المنطقة لوقف "المفاوضات في الشارع" الا محاولة لتضليل القمة العربية. لا تخشى الادارة ولا اسرائيل ان يعلن القادة حرباً، لكن استمرار المواجهات الدموية سيحرج الجميع ويحتم قرارات من نوع يُغضب الولاياتالمتحدة، من دون امتصاص غضب الشارع من المحيط الى الخليج… وبعضه كان محرجاً لحكومات ولقوات مكافحة الشغب. اما "شغب" عرب اسرائيل، بالأحرى فلسطينيي اسرائيل، فلعله يقلق باراك، بمقدار ما يشعر بالانتصار كلما زاد عدد قتلى الانتفاضة. ولمراجعة خطة الحرب التي باتت تهدد الدولة العبرية من داخل، يحتاج رئيس الوزراء الاسرائيليي الى هدنة، تحت غطاء تمديد مهلة الإنذار للرئيس ياسر عرفات، واستجابة الجهود الديبلوماسية، قبل ان يعلن باراك "موت" عملية السلام. هدنة بعدما باغتته عملية "حزب الله" في مزارع شبعا، وبين دلالاتها احتمالات التحالف الميداني بين الحزب و"حماس" و"الجهاد"، وخوض اسرائيل حرباً على ثلاث جبهات: في الداخل مع فلسطينيي ال48 وفي الضفة الغربية وغزة، وعلى حدود لبنان. في فصل "المسارات" على الارض، تتوزع الأدوار: فالأمم المتحدة تصرّ على نشر الجيش اللبناني على الحدود لإبعاد "حزب الله" عنها، وكلينتون يتكفّل شروط قمة لإنجاز "وقف النار" في حرب الحجارة والصواريخ بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ويبقى على باراك ان يتكفّل بمعالجة ورطة الدولة العبرية مع رعاياها، عرب ال48 الذين "خانوها" وانحازوا الى القدس والانتفاضة، فيما انكشفت خرافة التعايش امام غارات "الهاغانا" الجديدة في القدس والناصرة وتل ابيب. قد تكون الأيام الدموية التي هزّت الشرق الاوسط واسرائيل مجرد بداية، بعدما مثّلت المجازر الاسرائيلية بحق الفلسطينيين، بجثة السلام من مدريد الى اوسلو وشرم الشيخ والقاهرة، وها هو باراك مصرّ على إذلال عرفات وشعبه: إما الإذعان لشروط ولجم الضحية، وإما اجتياح لأراضي السلطة بذريعة فرض الأمن. ولم يرتوِ شارون بما أُريق من دماء منذ اقتحم الحرم القدسي، وها هو يحرّض "الحمائم" على "هجومية" المدرعات في مواجهة "عدوانية" الحجارة. مجرد بداية؟… تدرك ادارة كلينتون ان عملية السلام الاميركي - الاسرائيلي ماتت في كامب ديفيد، وان باراك اطلقَ يد شارون وتلامذته المستوطنين للتحضير لعملية التشييع، واتهام الرئيس الفلسطيني باغتيال المفاوضات. واذا كانت قمة كلينتون - مبارك - باراك - عرفات - في شرم الشيخ تحولت هدفاً بحدّ ذاتها، لتُستخدم أداة ضغط لإنهاء الانتفاضة، ولتصبح بالتالي مجرد احتمال، فلا احد من القادة العرب قادراً على تحديد سقف لقرارات قمة القاهرة، ولا التكهن بظروفها. لعل الرئيس مبارك أصاب في دعوته العرب الى الاعتدال ورفضه المزايدات، لكن أحداً لا يلحّ على طرح السؤال: من يلجم جنون التطرّف الاسرائيلي؟ ... عاد عصر الهاغانا.