لا يكفي أن يكون الفلسطيني المنتفض صديقاً للورود والأكاليل والكفن والنعوش، صديقاً للأرض. ولا يكفي ان تشتعل الحجارة في يديه، بل عليه ان يضيء زمن الحرية بدمه المسفوك، وعليه أن يرثي الأزمنة ولا يتحيّن فرصة الموت التي يعطيها له عدوّه، فيموت طوعاً، ويفارق الحياة... يمنح الاحتلال الاسرائيلي الشعوب فرصة الموت بينما يأخذ الحياة، بل يصادرها ويجتاحها برصاصه وإرهابه وقذائفه القاتلة في حروب الإبادة. لا أحد يعطي تفسيراً صحيحاً لهذه التسميات: الكرامة الانسانية، الشرف، الحرية، الشجاعة، إلاّ دم الفلسطيني المباح عند جنرالات اسرائيل شارون - باراك وجنود الاحتلال الاسرائيلي الذين نعترف لهم بدقة تصويب بنادقهم في حصاد الضحايا، وفي المقابل يعترفون لنا بالموت. لا شيء أفضل من موت الفلسطيني على أرضه، وربما لا توجد وسيلة تكشف عن صورة العجز العربي الرسمي والشعبي سوى سقوط الضحايا في فلسطين: القدس والناصرة وأم الفحم، ونابلس وغزة وقلقيلية والخليل ورام الله، ولا يحكّ جلد الفلسطيني المنتفض سوى الحجارة ورصاص الاحتلال الاسرائيلي. ولا يردّ الصاع صاعين سوى استنهاض الحق وشحذ الهمم، ولا وسيلة متاحة لرصد جيوش يوشع سوى حجارة الكنعانيين وضربة الشمس، وتدابير الأرض المضمخة واستحضار أسلحة الصراع، والسلاح في يد الاسرائيلي يقتل ويجرح ويرتكب مجزرة دامية، وحجر الفلسطيني المنتفض يصد الموت ويدب الصوت كي يصحو الضمير العالمي ويرفع الظلم عن الشعب الضحية، ولأن الله وحده يعلم كم مرة يكبر الوطن مع الشعب، كم مرة تكبر القضية مع الشعب والانتفاضة، وكم مرة تصغر على طاولات المفاوضات الأميركية الاسرائيلية. وكم مرة تكبر السيرة المنتفضة على جبل الزيتون والمكبّر، والله وحده يحصي عدد أصوات التكبيرات في الجنازات وعدد الضحايا في ساحات المعارك "الله أكبر" يعلو شأنه على كل من طغى وتجبّر من أبناء اسرائيل. آن الآوان كي يخرج الاسرائيليون من دمنا وأرضنا. يتحتم على الفلسطيني المنتفض أن يوقفهم عند تخوم الزمن التائب، أن يخضع الاسرائيلي الى المساءلة: عن البكاء على ماضي المحرقة، أن ننزع عنهم هذه الحجة والذريعة، أن نفسح في المجال مجدداً للمقارنة بين صورة الضحية الفلسطيني اليوم وضحايا عبر التاريخ، للوصول الى الكشف عن وحدة الممارسة التقتيل والارهاب في الايديولوجيا العنصرية الصهيونية. أن نصل الى انفضاح وتعرية الدولة العبرية أمام العالم المتفرج على مقتل الفلسطينيين بالجملة. وصورة الضحايا في فلسطين لا تخضع لمفارقة التمييز بين ماضٍ وحاضر، يتحتم علينا استيضاح حقوق الزمن برفقة حقوق الإنسان، لماذا فرض اليهود في اسرائيل وخارجها على العالم حقوقهم في محاكمة مجرمي النازية ويمنعون عن الفلسطيني حقه في محاكمة ومحاسبة مجرمي الحرب في اسرائيل أمثال شارون بطل مجزرة صبرا وشاتيلا وباراك وغيرهما. هل ممارسة حقوق البكاء على الضحايا وقف على اليهود فقط؟! وأي زمن يشفع لدم الضحايا ألم يكتشف العالم هذه الكذبة؟ الفلسطينيين؟!، ربما لا أحد يعنيه ذلك، أي عودة الزمن التائب. فهل وجد العالم الوقت الكافي ليقول: ففي أي شيء يعنيهم ذلك؟ البقاء على الضحايا والنزيف الفلسطيني؟! خلّصونا... كفاية... هناك حدّ؟! يحدث عندنا أن نذهب مع لغة المفارقات. ثمة معركة يخوضها الفلسطيني المنتفض كي ينتزع حريته واستقلاله وسيادته، التهلكة تواجه المصير الإنساني، استباحة الدم الفلسطيني مع استقدام الجنود في هيئة فرق الإعدام. أسلحة مدججة وبنادق منتشرة في الساحات والشوارع وحركة مألوفة لجندي جاثٍ على ركبة ونصف، ويطلق الزناد على طفل يحتمي في حضن والده، يموت الطفل ويصاب والده في رأسه. كل ذلك على ركبة ونصف فقط والباقي على الله؟! ماذا يحدث لو كان مكان الحادثة في زمن آخر، وفي جغرافيا أخرى، استباحة التدابير؟ الشاهد اميركي دوماً والأرض صلبة تحتمل الاشتعال، التهديد المستمر... ضحايا أمام قداس من الأحلام انجاز العمليات الفظيعة الدم يقوم بوظيفة المطهّر - المقدس والاحتلال واستباحة القتل يستحضر ان صورة المدنس والحقيقة مشتعلة. وهذه المرة اتركوا لنا فرصة وحيدة أن نكرهكم؟! * كاتب فلسطيني.