سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الغضب يعم العواصم العربية من القاهرة الى مسقط ودمشق ... وفي اليوم قتل الاسرائيليون سبعة فلسطينيين بينهم طفل في غزة . اولبرايت جمعت عرفات وباراك وعقدة لجنة التحقيق لم تحل
توصلت وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت الى جمع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس وزراء اسرائيل ايهود باراك في مقر اقامة السفير الاميركي في باريس عصر امس، بعد يوم طويل من اللقاء والمحادثات التي شارك بها الرئيس الفرنسي جاك شيراك. وانعقد اللقاء بعد ممانعة من عرفات، ألح اثناءها على ضرورة تشكيل لجنة تحقيق دولية في أحداث العنف الاسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة تشارك بها فرنسا ومصر، فيما رفض باراك هذا الاقتراح مؤيداً تحقيقاً يجريه كل طرف على حدة، ثم تعرض النتائج في لقاء أمني ثلاثي ترعاه واشنطن. وطال الاجتماع الثلاثي الى ساعة متأخرة مساء امس، وكان واضحاً ان عقدة لجنة التحقيق الدولية غير قابلة للحل. لكن الجانب الاميركي ركز المحادثات على التوصل الى صيغة لوقف اطلاق النار وهو أول الشروط الثلاثة التي طرحها الفلسطينيون، تمهيداً لاتفاق آخر يلبي الشرط الثاني وهو انسحاب القوات الاسرائيلية الى مواقعها الاصلية. وبدا الاميركيون والاسرائيليون متفقين على لجنة تحقيق ثلاثية مستبعدين اي مشاركة اخرى. وظل متوقعاً امس ان ينتقل عرفات وباراك وأولبرايت اليوم الى شرم الشيخ في مصر لعقد لقاء رباعي يستضيفه الرئيس حسني مبارك. وسط هذه التطورات السياسية، تواصلت الاشتباكات المسلحة بين المتظاهرين الفلسطينيين والجيش الاسرائيلي، فسقط سبع شهداء بينهم طفل في غزة، وحدثت مواجهات أسفرت عن عدد من الجرحى الفلسطينيين في بيت لحم والخليل ومدينة القدس. وقرب قرية بتونيا غرب رام الله قتل رجلا شرطة فلسطينيان وأصيب 15 بجروح. وارتفع بذلك عدد شهداء انتفاضة القدس الى 67 شهيداً. وأطلقت اسرائيل صواريخ "لاو" على مواقع للشرطة الفلسطينية في خان يونس. وتصاعد الغضب الشعبي العربي مع استمرار المواجهات. فعمّت التظاهرات العواصم العربية احتجاجاً على القمع الاسرائيلي حتى تلك التي تقيم علاقات ديبلوماسية، أو "شبه ديبلوماسية" مع اسرائيل. في القاهرة عرض التلفزيون المصري للمرة الأولى صور متظاهرين يحرقون العلم الاسرائيلي، وأطلقت قوات الشرطة امس القنابل المسيلة للدموع على طلاب جامعة القاهرة بعدما نجحوا في الخروج من الباب الرئيسي قاصدين السفارة الاسرائيلية، وطالب المتظاهرون بطرد السفير الاسرائيلي من القاهرة وسحب السفير المصري من تل ابيب. وفي دمشق سارت تظاهرة صاخبة الى مبنى السفارة الاميركية، واستطاع احد المتظاهرين تسلق الجدار وانزال العلم الاميركي، فيما كان الآخرون يرشقون السفارة بالحجارة. أما في مسقط فانطلقت مسيرة من كلية الشريعة باتجاه السفارة الاميركية الا ان الشرطة تدخلت لمنع المتظاهرين من الوصول اليها. وعمت التظاهرات سائر المدن في عمان، خصوصاً في صحار ودارسيت واستخدمت الشرطة خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين. وفي بيروت نظم "حزب الله" تظاهرة كبرى مساء أول من امس، في الضاحية الجنوبية، وسارت تظاهرات اخرى في الجامعات، خصوصاً في الجامعة الاميركية. وفي الدوحة اعلن انضمام قطر الى المؤيدين لعقد قمة عربية "في أسرع وقت ممكن"، فيما دعا الرئيس الايراني محمد خاتمي الى عقد اجتماع عاجل لوزراء خارجية منظمة المؤتمر الاسلامي برئاسة ايران لاتخاذ "مبادرة منسقة" ضد اسرائيل. وتركزت الانظار على باريس وما دار فيها من لقاءات، نقلت الوضع من صراع أمني الى صراع سياسي اتخذ مظهراً جديداً يتمثل باستضافة فرنسا للمحادثات ومشاركتها فيها على مستوى الرئيس الفرنسي جاك شيراك، ما شكل دخولاً أوروبياً الى حلبة المفاوضات، واقراراً اميركياً بهذا الدور الأوروبي. ويشارك الفلسطينيون في لعبة الصراع السياسي هذا، اذ لم تخف مصادرهم في باريس رغبتهم في تشكيل لجنة تحقيق دولية، شرط ان تضم فرنسا الى جانب الولاياتالمتحدة، كتعبير عملي عن دخول أوروبا الى حلقة المفاوضات. وعبر عرفات عن هذا التوجه بقوة حين ربط بين قبوله الاجتماع مع رئيس وزراء إسرائيل ايهود باراك بتشكيل لجنة التحقيق الدولية. وقال بعد انتهاء لقائه المبكر مع شيراك إنه يطالب "بحماية المدنيين الفلسطينيين وتشكيل لجنة تحقيق دولية"، موضحاً انه شدد لدى الرئيس شيراك على "أهمية الدور الذي تقوم به فرنسا"، بالتعاون مع الولاياتالمتحدة ومصر لانقاذ عملية السلام. هذا الموقف الفلسطيني أزعج باراك بشكل خاص، ودفعه إلى حال من الغضب عبر عنها بأشكال مختلفة. فقبل قدومه إلى باريس، وحين سمع أن عرفات يشترط لجنة التحقيق الدولية للقاء معه، هدد بأنه لن يحضر إلى باريس إلى أن تمت اتصالات أميركية مع مكتب عرفات سهلت اقناع باراك بالحضور. أما بعد قدومه فتجلى الغضب من المطلب الفلسطيني والهدف السياسي الكامن وراءه، في لغة التصريحات التي أطلقها باراك، وفي الرفض التفصيلي لإنشاء لجنة تحقيق دولية. فبعدما التقى مع شيراك ركز على القول بعبارات قاسية انه يحمل "ياسر عرفات والسلطة الفلسطينية مسؤولية اندلاع موجة العنف"، ثم أوضح انه مستعد لتحقيق أمني حسب الاقتراح الأميركي فقط، وشرح قائلاً: "وافقنا على الاقتراح الأميركي القاضي بأن يقدم كل طرف من الفلسطينيين والإسرائيليين على التحقيق في تصرفاته، وأن يجري المسؤولون الأمنيون بعد ذلك محادثات سوياً لتوضيح ما جرى". وأضاف: "بعدها سنجلس مع شركائنا الأميركيين وتجاهل الفرنسيين من أجل ضمان تنسيق أفضل في المستقبل بهدف منع تكرار حصول أحداث كهذه". واستمر باراك في التعبير عن الغضب عند حديثه عن المواجهات الفلسطينية - الإسرائيلية، إذ قال: "في كل صباح يأتي شبان من نابلس بمعية رجال شرطة وعصابات تدعى التنظيم، وهي منظمة تابعة لحركة فتح ليطلقوا النار عليها، وإلقاء زجاجات حارقة... ولا نقوم سوى بالدفاع عن النفس". ولاحظ المراقبون في باريس أن أولبرايت التي أجبرت على قبول الدور الفرنسي الذي هيأ الأجواء للقاءات، عملت منفردة، وسعت إلى جمع عرفات وباراك في لقاء تحت اشرافها، مستبعدة أي مشاركة فرنسية، وهو ما لم يكن يرغب فيه عرفات، كما يبدو. لكن أولبرايت توصلت إلى عقد هذا الاجتماع في الرابعة والنصف بعد الظهر، بتأخير ساعات عن الموعد المحدد سابقاً للقاء الثلاثي. ولفت المتابعين اختلاف جدول أعمال باراك عن جدول أعمال عرفات، وكأن كلاً منهما يعمل لتكريس مرجعية له مختلفة عن الآخر. إذ بدأ باراك لقاءاته مع أولبرايت ثم مع شيراك، وعاد ثانية للقاء مع أولبرايت. أما عرفات فاجتمع مع شيراك أولاً ثم مع أولبرايت وعاد ثانية للقاء مع شيراك. لقاء شرم الشيخ وبينما كانت الاجتماعات المكثفة تتوالى في باريس، كانت مصر تواصل جهودها لعقد لقاء رباعي في شرم الشيخ يضم الولاياتالمتحدة ومصر مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وقد أكدت الخارجية المصرية أمس نبأ الاجتماع الرباعي اليوم. ولم يعرف ما إذا كان لقاء شرم الشيخ سيواصل الجهود نفسها المبذولة في باريس من أجل وقف المواجهة وحالة التدهور الأمني، أم أنها ستركز على إحياء المفاوضات السياسية المتعلقة بالسيادة على القدس وعودة اللاجئين ومصير الاستيطان الإسرائيلي. ولكن الملحق الصحافي في سفارة مصر في واشنطن محمود جعفر وصف الهدف من لقاء شرم الشيخ بأنه "لإنقاذ ما يمكن انقاذه من عملية السلام"، وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية يرافق أولبرايت: "قد يكون اللقاء مفيداً لعملية السلام". مناقشات مجلس الأمن وأسفرت المواجهة السياسية في مجلس الأمن عن تراجع الولاياتالمتحدة عن معارضتها لانعقاد جلسة مناقشات علنية رسمية للمجلس. وانعقد المجلس في جلسة افتتاحية فجر الثلثاء ومساء أمس للاستماع إلى ما يزيد عن 40 متحدثاً دان معظمهم استخدام إسرائيل للقوة ضد الفلسطينيين، وأيدوا مبدأ التحقيق في خلفية الأحداث، وطالب بعضهم بوضع المسؤولين عن مقتل الأطفال الأبرياء أمام العدالة، بينما تبنت ثلاث دول فقط هي الولاياتالمتحدة وبريطانيا ومالي، موقفاً لم يميز بين مسؤولية الجنود الإسرائيليين ومسؤولية المدنيين الفلسطينيين. وأيدت الدول العربية مشروع قرار فلسطيني لم يقدم رسمياً بعد يتضمن إدانة إسرائيل، ومطالبتها بالتزام اتفاقية جنيف الرابعة ترفض إسرائيل ذلك دائماً، واجراء تحقيق سريع بالأحداث الكارثية، مع الاستئناف الفوري للمفاوضات النهائية. وانتقد ناصر القدوة مندوب فلسطين لدى الأممالمتحدة، الولاياتالمتحدة لمعارضتها تفعيل دور مجلس الأمن، وعبر عن الاستياء من مواقف وتصريحات الأمين العام كوفي أنان، وقال: "الأمين العام صديق للشعب الفلسطيني، ولكننا غير مرتاحين إلى طبيعة تصريحاته". وينتظر مشروع القرار الذي سيصدر عن المجلس، نتائج اجتماعات باريس وشرم الشيخ. وترى المصادر العربية في المجلس "ان ما يجري هناك سيكون له تأثير في مجلس الأمن سواء في اتجاه التفاهم أو المواجهة".