} أعادت انتفاضة القدس وصور الطفل محمد الدرة وهو يتلقى الرصاص الاسرائيلي في حضن والده اهتمام الكويتيين بالقضية الفلسطينية الى مستوى يشابه ذلك الذي كان قبل الغزو العراقي للكويت. فالأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح يأمر بإغاثه عاجلة للفلسطينيين، والحكومة تصدر أعنف البيانات ضد اسرائيل، والهيئات الشعبية تتبارى في عقد التجمعات الخطابية، والصحف تفرد صفحاتها الأولى للحدث الفلسطيني، بعد طول نسيان. منذ الغزو العراقي خفت الاهتمام الاعلامي والشعبي الكويتي بالحدث الفلسطيني، لأسباب منها دخول القضية الفلسطينية في دهليز العملية السلمية التي لم تكسب حماسة المواطن العادي او اقتناعه. كذلك فإن مواقف السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس ياسر عرفات تجاه العدوان العراقي، والتي يعتبرها الكويتيون الأسوأ على مستوى العالم العربي، حالت دون التواصل السياسي والاعلامي الكويتي مع المؤسسات والهيئات التابعة لتلك السلطة. فقط كانت عمليات "حركة المقاومة الاسلامية" حماس ضد الاحتلال الاسرائيلي هي التي تجتذب اهتمام الجمهور الكويتي، الذي لم يفقد حماسته الدينية للصراع مع اليهود، وتعاطفه الانساني مع ضحايا العنف الاسرائيلي. حتى الحكومة أظهرت هذه العاطفة باستقبالها الزعيم الروحي ل"حماس" الشيخ أحمد ياسين عام 1998 مثيرة غضب الاميركيين. حصل ذلك في الكويت، التي كانت حتى 2 آب اغسطس 1990 ملجأ لثاني اكبر تجمع فلسطيني خارج فلسطينالمحتلة، وفيها عقدت منظمة "فتح" بقيادة عرفات أول اجتماعاتها مطلع الستينات، وفيها نبتت فكرة "حركة المقاومة الاسلامية" حماس في الثمانينات، وعاش فيها ناشطون مثل خالد مشعل ومحمد نزال وغيرهما. لكن الاحداث الأخيرة في القدس وسقوط الضحايا بالعشرات احيت الاهتمام الكويتي بالشأن الفلسطيني الى مستوى مشابه لما قبل "الفتنة" العراقية. وأمر الشيخ جابر الأحمد بإرسال مساعدات عاجلة الى فلسطين عن طريق الأردن، واتصل أول من امس بالرئيس المصري حسني مبارك وأبلغه حرص بلاده على عقد قمة عربية تخصص لأحداث القدس. وفي اجتماعها الأخير استخدمت الحكومة الكويتية أقوى الكلمات في ادانتها أعمال القتل الاسرائيلية، وكذلك فعل مجلس الأمة البرلمان على لسان رئيسه جاسم الخرافي ونواب. بل ان الحكومة والمجلس ربطا بين المأساة الجديدة في فلسطين و"الأزمات المفتعلة" على الحدود الشمالية، حيث جمع الرئيس العراقي صدام حسين بعضاً من الذين يعتبرهم الكويتيون عملاء وعناصر مخابرات "للتشويش اعلامياً" على انتباه العرب والمجتمع الدولي لما يجري حول القدس. واتهم البرلمان الكويتي والحكومة صدام ب"تقديم خدمات لاسرائيل". شعبياً قاد الاسلاميون الكويتيون حملة التعاطف مع ضحايا القدس، عندما أصدر خطباء المساجد بياناً طالب بالسماح لهم بجمع التبرعات للفلسطينيين في المساجد، وكذلك نشرت الجماعات الاسلامية بيانات مشابهة، ونظمت امس جمعية الاصلاح الاجتماعي التي تمثل تيار "الاخوان المسلمين" في الكويت، مهرجاناً خطابياً تعاطفاً مع القدس، في حين دعت جمعية الخريجين التي تمثل التيار الليبرالي الى مهرجان مشابه السبت المقبل. واعطت الصحف الكويتية التي تركز عادة على الشأن المحلي مساحات أكبر في صفحاتها الأولى وزوايا الكتاب لأحداث فلسطين، وظهرت فيها اعلانات من "لجنة مناصرة فلسطين" وجمعيات خيرية اسلامية اخرى تدعو الى تقديم التبرعات. وكانت لجان كويتية موّلت اقامة غرفة عمليات جراحية في القدس أخيراً وبدأت تقديم ألف دولار مساعدة مالية لعائلة كل ضحية. ويرى الكاتب استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور عبدالله الشايجي ان الاهتمام الكويتي بالشأن الفلسطيني كان موجوداً دوماً "اذ تفرق الحكومة والشعب في الكويت بين السلطة الفلسطينية بقيادة عرفات وبين الشعب الفلسطيني، وهما اكدا دوماً ان موقف هذه السلطة من العدوان العراقي لم يزحزح الكويت عن التزامها قضية الأقصى". وقال الشايجي ل"الحياة" ان الحدث الفلسطيني كان حاضراً في تغطيات الاعلام الكويتي و"أجريت شخصياً مئة حديث على الأقل مع الاذاعة والصحف الكويتية خلال السنوات الأخيرة تتعلق بتفاصيل الشأن الفلسطيني". وتابع: "الأحداث الأخيرة بدمويتها وارتباطها بالقدس الشريف رفعت الاهتمام والتعاطف الى مستوى أعلى بكثير". ودلل الشايجي على تجاوز الكويتيين آثار أحداث عامي 1990 و1991 مع العراق بأنه "عندما يحشد صدام مئات من مخابراته على حدود الكويت لإثارة الاضطرابات، ترد الكويت بإرسال طائرتين الى فلسطين، محملتين إغاثة وأدوية ومعدات طبية".